ثورة عز الدين القسام 1935
تحتل التجربة الجهادية
للشيخ " عز الدين القسام " موقعا فريدا ربما ليس في تاريخ العمل النضالي الفلسطيني
المسلح فحسب بل وفي تاريخ العمل الجهادي والمقاومة في العالم العربي والإسلامي طبقا
لآراء العديد من المؤرخين.
والشيخ " عز الدين عبد القادر مصطفى القسام " من
مواليد بلدة " جبلة " بقضاء اللاذقية في سوريا ولد في عام 1882م .. وتلقى تعليمه في
الأزهر الشريف ثم عاد إلى بلاده ليكون احد أبرز الدعاة الإسلاميين النشطين في بلاده
ضد الاستعمار ثم ليكون أحد كبار رجال العمل الفدائي المسلح خلال النضال ضد
الاستعمار الفرنسي خلال الفترة من العام 1918م وحتى العام 1920م وعندما انتهت
الثورة انتقل إلى فلسطين واستقر في مدينة " حيفا " الساحلية.
وكان من أهم
السمات التي ميزت شخصيته أنه كان على درجة كبيرة من الورع والتقوى وأحد أهم الداعين
إلى الجهاد سواء ضد المستعمر الفرنسي في سوريا أو الاستعمار الصهيوني- الإنجليزي في
فلسطين واتسمت شخصيته بالعديد من السمات من بينها حسن البيان والقدرة على الخطابة
وطيب الخلق وهو ما أدى إلى تجمع الرجال والشباب من حوله للمشاركة في العمل النضالي
ضد اليهود في فلسطين وله في هذا الصدد قولة مشهورة ألقاها من على منبر احد
المساجد:
" رأيت شبانا يحملون المكانس لكنس الشوارع، هؤلاء مدعوون لحمل
البنادق، ورأيت شبانا يحملون الفرشاة لمسح أحذية الأجانب، هؤلاء مدعوون لحمل
المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب ".
وقد جعلته هذه السمات- كما يقول الدكتور "
محسن محمد صالح "- بجانب تجربته الجهادية مؤهلا لتأسيس وقيادة تنظيم جهادي قوي مثل
جماعة " القسام " النضالية.
وبعد عشر سنوات من الإعداد والتنظيم السري للعمل
الجهادي في فلسطين قرر الشيخ القسام إعلان الثورة على الاحتلال الإنجليزي والوجود
الصهيوني في فلسطين في العام 1935م وقد ترافق ذلك مع ازدياد الهجرة اليهودية
والاستيطان الصهيوني في فلسطين ووضوح حقيقة النوايا اليهودية تجاه مدينة " القدس"
ومقدساتها الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى كما بدا طيلة عامي 1928 م و1929 م
عندما اندلعت ثورة " حائط البراق " مع توازي ذلك مع توافق المصالح البريطانية
والصهيونية في فلسطين مما كان من مظاهرة تهريب السلاح بكميات كبيرة ووضعه في خدمة
المستعمرين اليهود.
ومع ازدياد الرقابة على القسام ورفاقه بدأ الشيخ المجاهد
في التخطيط للخروج إلى الجبال والقرى في شمال فلسطين بعد أن باع منزله وبعد أن باع
أصحابه حلي زوجاتهم وبعض أثاث بيوتهم حتى يتسنى لهم شراء العتاد من ذخيرة وبنادق
وخلافه.
وابتداءا من مطلع العام 1935م بدأ المثلث العربي الواقعة رؤوسه بين
" جنين " و" نابلس " و" طولكرم " يشهد أنشطة مقاومة عنيفة وجهت ضد أهداف صهيونية
وبريطانية عدة كان الغالب عليه استهداف الضباط البريطانيين ونسف القطارات ومهاجمة
معسكرات الجيش البريطاني مع قتل أي عربي يثبت لدى القوى الوطنية اتصاله
بالبريطانيين بشكل غير سليم أو بشكل مريب.
واستمرت الأوضاع على هذا النحو
حتى فجر اليوم العشرين من نوفمبر من العام 1935م بعد أن فقد القسام ورفاقه عنصر
المفاجأة أثناء تخطيطهم لعملية هجوم على مستعمرة " بيت ألفا " اليهودية حيث قامت
قوة مسلحة مكونة من 400 رجل غالبيتهم من العناصر العسكرية البريطانية بحصار مقر
القسام ومعه عشرة من إخوانه في أحراش بلدة " يعبد " عند قرية " الشيخ زيد " ودارت
بين الجانبين معركة استمرت نحو أربع ساعات انتهت باستشهاد الشيخ " عز الدين القسام
" واثنان من رفاقه وهما " يوسف الزيباوي " و " محمد حنفي المصري " وإلقاء القبض على
ستة آخرون منهم: " نمر السعدي " و" أسعد المفلح " وقبض أيضا على كل من " عربي بدوي
" و " محمد يوسف " و" احمد جابر " و " حسن الباير ".. فيما تمكن اثنان من الانسحاب
و تشير الإحصائيات العربية إلى مقتل نحو 15 شرطي وعسكري بريطاني فيما تقول التقارير
الإنجليزية أن خسائر القوة المهاجمة كانت مقتل جندي واحد وإصابة آخر.
وقد
قدم استشهاد الشيخ القسام نموذجا نضاليا فريدا حيث كان على رأس رجاله في التخطيط
والتنفيذ وضرب مثلا عظيما في العلنية والتضحية وترك استشهاده على هذا النحو وإخوانه
أثرا عظيما في الشعب الفلسطيني وربما تكون ثورة "القسام" أحد الأسباب المهمة بالفعل
في إشعال ثورة العرب الكبرى في فلسطين والتي استمرت أربعة أعوام خلال الفترة ما بين
1936- 1939م.
ثورة الشيخ " عز الدين القسام"
يعتبر تنظيم أو جماعة
" القسام " واحد من أبرز التنظيمات الجهادية المسلحة التي ظهرت عبر تاريخ فلسطين
وترجع نشأته إلى عام 1925م عندما بدأ الشيخ " عز الدين القسام " في تأسيس تنظيم
جهادي سري يستمد مفاهيمه ومنطلقات عمله من الإسلام واعتبر الجهاد المسلح الطريق
الوحيد لإنقاذ فلسطين ووفق الكاتب والمؤرخ الشامي "إميل الخوري" يعتبر تنظيم "
القسام " : " أخطر منظمة سرية وأعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الحركة الوطنية
الفلسطينية بل تاريخ الجهاد العربي الحديث ".
وقد أطلق أولا على هذا التنظيم اسم "المنظمة الجهادية" ولكن بعد رحيل قائده ومؤسسه
الشيخ القسام غلب عليه اسم جماعة "القسام" أو القساميون" وكان شعار هذا التنظيم: "
هذا جهاد نصر أو استشهاد ".
وقد كانت جماعة " القسام " ذات طابع متطور وسابق
لعصرها في كثير من مجالات العمل التنظيمي والتخطيط والعمل الميداني وهو ما يمكن أن
لنمحه من خلال قراءة في دفاتر الحركة التاريخية.. فكانت الجماعة أولا لا تقبل أي
عضو إلا بعد انتقاء وتمحيص ولا يدخل في عضويتها إلا من كان " مؤمنا مستعدا أن يموت
في سبيل بلاده " ومن أهل الدين والعقيدة الصحيحة.
وكانت استفادة الشيخ
القسام كبيرة من عمله كإمام وخطيب لمسجد " الاستقلال " في مدينة " حيفا " منذ العام
1925م في الاتصال بالناس واختيار العناصر الصالحة لمجموعته كذلك استفاد من رئاسته
لـ " جمعية الشبان المسلمين " في " حيفا " كغطاء مقبول لحركته ونشاطاته وزياراته
للقرى مع إنشاء فروع لهذه الجمعية في اللواء الشمالي لفلسطين مما أعطى غطاءا مناسبا
لحركة إخوانه المجاهدين.
تشكلت القيادة الأولى لمجموعة " القسام " عام 1928م
وضمت بالإضافة إلى قائدها الشيخ " عز الدين القسام " كل من:
§ العبد قاسم
§ محمود زعرورة.
§ محمد الصالح الحمد.
§ خليل محمد عيسى
وكانت القيادة جماعية ومسؤولة عن اتخاذ كافة القرارات المهمة وقد بلغ
عدد أفراد المجموعة نحو 200 فرد عامل منتظم كان غالبيتهم يشرفون على حلقات توجيهية
من الأنصار الذين وصل عددهم إلى نحو 800 فرد.
على المستوى النشاط أسست جماعة
" القسام " خمس وحدات متخصصة تضمنت وحدة لشراء السلاح ووحدة للتدريب ووحدة للتجسس
على اليهود والإنجليز وكان أفراد هذه الوحدة بالذات ممن يعملون في الدوائر الحكومية
وخاصة الشرطة ثم إنه كانت هناك وحدة رابعة للدعاية للثورة والعمل الجهادي وأخيرا
وحدة للاتصالات السياسية.
أما من عن الناحية المالية فقد اعتمدت جماعة
"القسام" على اشتراكات أعضائها وتبرعات الموثوق بهم وكان من ضمن أساسيات العمل في
التنظيم أن يتدرب جميع أفراده على حمل السلاح بحيث يكونون مستعدين لخوض معارك
الجهاد عند إعلانها وكان على كل عضو أن يعمل على تدبير أمر السلاح والذخيرة لنفسه
.. ورغم أن غالبية أعضاء الجماعة لم يكونوا من ميسوري الحال إلا أنهم بذلوا كل ما
يستطيعون من أجل شراء السلاح والاعتماد على أنفسهم في التدريب والإعداد.
ومن خلال بعض المؤشرات والشهادات التاريخية فإن
انتقال الجماعة إلى مرحلة التسليح والتدريب كان في أواخر عام 1928م ثم جاءت ثورة
"حائط البراق" لتدعم التوجه العسكري المسلح لدى الجماعة فأخذ الشيخ " عز الدين
القسام " يسهم في عمليات التدريب بنفسه والتي شملت رحلات ليلية وحركات استطلاعية
ومهام التدريب على الرماية ودقة إصابة الهدف.
وعندما كانت الجماعة تتجه
للإعلان عن نفسها رسميا في نوفمبر من العام 1935م كانت تمتلك وفق " صبحي ياسين "
وهو أحد أعضائها نحو ألف قطعة سلاح وقاعدة للتسليح في منطقة اللاذقية .. ويخطئ من
يتصور أن نشاط " القسام " كتنظيم اقتصر على عام 1935م حيث أن الجماعة قامت بعدد من
العمليات العسكرية في الفترة ما بين عامي 1930- 1932م ولكنها بدت كما لو كانت
عمليات فردية لتحقيق عدد من الأهداف على النحو التالي:
§ كسر حاجز الخوف
وتطبيق ما تم تعلمه لدى أفراد الجماعة.
§ معرفة ردود الفعل المتوقعة لدى كل
الأطراف في فلسطين من عرب ويهود وإنجليز.
§ التعبير عن التفاعل مع تطورات
القضية الفلسطينية.
§ محاولة التصعيد العملياتي لأنشطة الجماعة بما يتناسب
مع خطة الإعداد والتدريب والتعبئة.
وبعد أحداث نوفمبر من العام 1935م وبعد
استشهاد الشيخ "عز الدين القسام" ونفر من جماعته كان لجماعة "القسام" الدور الرئيسي
في تفجير ثورة العرب الكبرى في فلسطين عام 1936م وذلك عبر عملية " عنبتا - نور
الشمس " وذلك في 15 أبريل من العام 1936م والتي قادها القائد الجديد للجماعة الشيخ
" فرحان السعدي " كما أن القساميين كان لهم الفضل في تفجير المرحلة الثانية من
الثورة عندما قاموا في 26 سبتمبر من العام 1937م باغتيال الجنرال " أندروز " الحاكم
البريطاني للواء أو منطقة " الجليل " وقد أسهم القساميون في تنظيم وقيادة الثورة
العربية الكبرى فشارك ثلاثة منهم من أصل ستة في عضوية القيادة العسكرية الميدانية
للثورة والتي قامت في 2 سبتمبر من العام 1936م باختيار القائد السوري " فوزي
القاوقجي " قائدا عاما للثورة والعمل الثوري العسكري المسلح واستمر القاوقجي في
قيادته تلك حتى نهاية المرحلة الأولى من الثورة في 12 أكتوبر من العام
1936م.
وقد تولى قيادة الثورة في شمال فلسطين القائد القسامي الكبير " خليل
محمد العيسى، المكني بأبي إبراهيم الكبير " وكان من مدينة " حيفا " ورصد الاحتلال
البريطاني مكافأة مقدرها 500 جنيه إسترليني لمن يرشد عنه حيث استطاعت الجماعة عن
طريقه وعدد آخر من رجال المقاومة توحيد أقسام عديدة من فلسطين تحت قيادتها وهي
مناطق شمال فلسطين وشمالي " القدس " وقسما من منطقة " نابلس " وهي كانت من أكثر
المناطق اشتعالا بالعمل المسلح.
وكان معظم قيادته من العناصر القسامية ومن
بينهم " أبو محمود الصفوري "،" سليمان عبد الجبار "،" عبد الله الأصبح "،" توفيق
الإبراهيم " وكان من بلدة " عين دور " ورصد الاحتلال مكافأة مقدارها 100 جنيه لمن
يرشد عنه أو للقبض عليه، " عبد الله الشاعر " وكان هذا الأخير من مدينة " صفد "
ورصدت مكافأة مقدارها 100 جنيه لمن يرشد عنه للقبض عليه.
وغيرهم وفي منطقة
لواء " نابلس " التي كانت مقسمة إلى أربعة أقسام كان هناك اثنان من قادة الحركة
القسامية البارزون وهما:
§ الشيخ " عطية أحمد عوض " وكان من بلدة " الشيخ "
ورصد الاحتلال مكافأة 500 جنيه للإرشاد عنه والذي خلفه في منطقته قائد كبير آخر من
جماعة " القسام " وهو " يوسف سعيد أبو الدرة " وهو من قادة " القسام " من بلدة "
سيلة الحارثية " ورصدت مكافأة مقدارها 250 جنيه إسترليني للإبلاغ عنه وسلمه الجنرال
" جلوب " القائد الإنجليزي للجيش الأردني في عام 1940م لقوات الجيش البريطاني في
فلسطين حيث أعدم.
§ القائد الثاني هو الشيخ " محمد الصالح الحمد " المكني بـ
" أبو خالد " وخلفه في منطقته قائد قسامي آخر هو الشيخ " عبد الفتاح محمد الحاج
مصطفى ".
وذلك بالإضافة إلى منطقة كان يقودها القائد " عبد الرحيم الحاج
محمد " في " طولكرم " الشرقية وعرف في كثير من مراحل الثورة باسم " القائد العام "
كما برز " عارف عبد الرزاق " في منطقة " طولكرم " الغربية وكان من بلدة " الطيبة "
ورصدت مكافأة مقدارها 250 جنيه إسترليني للإبلاغ عنه.
وعلى وجه العموم كان
للجماعة دورا كبيرا في الثورة العربية الكبرى في فلسطين طيلة أعوامها الأربعة سواء
على مستوى القيادة أو الأفراد أو النشاطات.. ثم إنه عندما أعلنت الحرب عام 47-
1948م عاد عناصر الجماعة للمشاركة في العمل الفدائي المسلح في فلسطين وقد عمل
معظمهم تحت قيادة وتوجيه الحاج " أمين الحسيني " مفتي فلسطين ضمن جيش منظمة "
الجهاد المقدس " أو مع جيش " الإنقاذ العربي " بقيادة " فوزي القاوقجي " وقد استمر
القساميون في العمل في مناطق تمركزهم السابقة في شمال فلسطين ومن بينهم " أبو
إبراهيم الكبير " وأبو إبراهيم الصغير " و" أبو محمود الصفوري " و" سرور برهم "
ولكنهم هذه المرة لم يكونوا من القيادات الموجهة بل تحركوا بناء على توجيهات وحركة
قيادات أعلى منهم مما وضعهم في مواقف صعبة لم يستطيعوا التوافق معها كما
ينبغي.
وأخيرا يشار إلى أن " أبو إبراهيم الكبير " عمل ضمن قيادة فوج "
اليرموك " الثاني التابع لجيش الإنقاذ بقيادة القاوقجي وكان يقود هذا الفوج " أديب
الشيشكلي " وعمل " أبو إبراهيم الصغير " في منطقة " الناصرة " التي كانت تابعة
لقوات جيش " الجهاد المقدس " وبالمثل تولى " أبو محمود الصفوري " الدفاع عن " شفا
عمرو " ضمن قوات " الجهاد المقدس ".
وقد عاد اسم القسام مجددا إلى العمل
الجهادي الفلسطيني ربما بعد أربعين عاما من حرب النكبة 1948م على أيدي مجاهدي "
حركة المقاومة الإسلامية، حماس " حيث حمل الجناح العسكري للحركة اسم " كتائب عز
الدين القسام ".
المصادر :
§ محسن محمد صالح: " فلسطين: دراسات
منهجية في القضية الفلسطينية " (القاهرة: مركز الإعلام العربي، سلسلة " دراسات
فلسطينية "، العدد " 1 "، الطبعة الأولى، 2003م، ص 279-280، 377- 381).
§ طه
محمد المجدوب وآخرون: " العسكرية الصهيونية .. المجلد الأول: المؤسسة العسكرية
الإسرائيلية.. النشأة / التطور " (القاهرة: مؤسسة " الأهرام "، مركز الدراسات
السياسية والإستراتيجية، الطبعة الأولى، 1972م، ص 120- 140).
§ صالح مسعود
أبو يصير: " جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن " (بيروت: دار الفتح للطباعة والنشر،
الطبعة الأولى، 1968م، ص 175- 176).
تحتل التجربة الجهادية
للشيخ " عز الدين القسام " موقعا فريدا ربما ليس في تاريخ العمل النضالي الفلسطيني
المسلح فحسب بل وفي تاريخ العمل الجهادي والمقاومة في العالم العربي والإسلامي طبقا
لآراء العديد من المؤرخين.
والشيخ " عز الدين عبد القادر مصطفى القسام " من
مواليد بلدة " جبلة " بقضاء اللاذقية في سوريا ولد في عام 1882م .. وتلقى تعليمه في
الأزهر الشريف ثم عاد إلى بلاده ليكون احد أبرز الدعاة الإسلاميين النشطين في بلاده
ضد الاستعمار ثم ليكون أحد كبار رجال العمل الفدائي المسلح خلال النضال ضد
الاستعمار الفرنسي خلال الفترة من العام 1918م وحتى العام 1920م وعندما انتهت
الثورة انتقل إلى فلسطين واستقر في مدينة " حيفا " الساحلية.
وكان من أهم
السمات التي ميزت شخصيته أنه كان على درجة كبيرة من الورع والتقوى وأحد أهم الداعين
إلى الجهاد سواء ضد المستعمر الفرنسي في سوريا أو الاستعمار الصهيوني- الإنجليزي في
فلسطين واتسمت شخصيته بالعديد من السمات من بينها حسن البيان والقدرة على الخطابة
وطيب الخلق وهو ما أدى إلى تجمع الرجال والشباب من حوله للمشاركة في العمل النضالي
ضد اليهود في فلسطين وله في هذا الصدد قولة مشهورة ألقاها من على منبر احد
المساجد:
" رأيت شبانا يحملون المكانس لكنس الشوارع، هؤلاء مدعوون لحمل
البنادق، ورأيت شبانا يحملون الفرشاة لمسح أحذية الأجانب، هؤلاء مدعوون لحمل
المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب ".
وقد جعلته هذه السمات- كما يقول الدكتور "
محسن محمد صالح "- بجانب تجربته الجهادية مؤهلا لتأسيس وقيادة تنظيم جهادي قوي مثل
جماعة " القسام " النضالية.
وبعد عشر سنوات من الإعداد والتنظيم السري للعمل
الجهادي في فلسطين قرر الشيخ القسام إعلان الثورة على الاحتلال الإنجليزي والوجود
الصهيوني في فلسطين في العام 1935م وقد ترافق ذلك مع ازدياد الهجرة اليهودية
والاستيطان الصهيوني في فلسطين ووضوح حقيقة النوايا اليهودية تجاه مدينة " القدس"
ومقدساتها الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى كما بدا طيلة عامي 1928 م و1929 م
عندما اندلعت ثورة " حائط البراق " مع توازي ذلك مع توافق المصالح البريطانية
والصهيونية في فلسطين مما كان من مظاهرة تهريب السلاح بكميات كبيرة ووضعه في خدمة
المستعمرين اليهود.
ومع ازدياد الرقابة على القسام ورفاقه بدأ الشيخ المجاهد
في التخطيط للخروج إلى الجبال والقرى في شمال فلسطين بعد أن باع منزله وبعد أن باع
أصحابه حلي زوجاتهم وبعض أثاث بيوتهم حتى يتسنى لهم شراء العتاد من ذخيرة وبنادق
وخلافه.
وابتداءا من مطلع العام 1935م بدأ المثلث العربي الواقعة رؤوسه بين
" جنين " و" نابلس " و" طولكرم " يشهد أنشطة مقاومة عنيفة وجهت ضد أهداف صهيونية
وبريطانية عدة كان الغالب عليه استهداف الضباط البريطانيين ونسف القطارات ومهاجمة
معسكرات الجيش البريطاني مع قتل أي عربي يثبت لدى القوى الوطنية اتصاله
بالبريطانيين بشكل غير سليم أو بشكل مريب.
واستمرت الأوضاع على هذا النحو
حتى فجر اليوم العشرين من نوفمبر من العام 1935م بعد أن فقد القسام ورفاقه عنصر
المفاجأة أثناء تخطيطهم لعملية هجوم على مستعمرة " بيت ألفا " اليهودية حيث قامت
قوة مسلحة مكونة من 400 رجل غالبيتهم من العناصر العسكرية البريطانية بحصار مقر
القسام ومعه عشرة من إخوانه في أحراش بلدة " يعبد " عند قرية " الشيخ زيد " ودارت
بين الجانبين معركة استمرت نحو أربع ساعات انتهت باستشهاد الشيخ " عز الدين القسام
" واثنان من رفاقه وهما " يوسف الزيباوي " و " محمد حنفي المصري " وإلقاء القبض على
ستة آخرون منهم: " نمر السعدي " و" أسعد المفلح " وقبض أيضا على كل من " عربي بدوي
" و " محمد يوسف " و" احمد جابر " و " حسن الباير ".. فيما تمكن اثنان من الانسحاب
و تشير الإحصائيات العربية إلى مقتل نحو 15 شرطي وعسكري بريطاني فيما تقول التقارير
الإنجليزية أن خسائر القوة المهاجمة كانت مقتل جندي واحد وإصابة آخر.
وقد
قدم استشهاد الشيخ القسام نموذجا نضاليا فريدا حيث كان على رأس رجاله في التخطيط
والتنفيذ وضرب مثلا عظيما في العلنية والتضحية وترك استشهاده على هذا النحو وإخوانه
أثرا عظيما في الشعب الفلسطيني وربما تكون ثورة "القسام" أحد الأسباب المهمة بالفعل
في إشعال ثورة العرب الكبرى في فلسطين والتي استمرت أربعة أعوام خلال الفترة ما بين
1936- 1939م.
ثورة الشيخ " عز الدين القسام"
يعتبر تنظيم أو جماعة
" القسام " واحد من أبرز التنظيمات الجهادية المسلحة التي ظهرت عبر تاريخ فلسطين
وترجع نشأته إلى عام 1925م عندما بدأ الشيخ " عز الدين القسام " في تأسيس تنظيم
جهادي سري يستمد مفاهيمه ومنطلقات عمله من الإسلام واعتبر الجهاد المسلح الطريق
الوحيد لإنقاذ فلسطين ووفق الكاتب والمؤرخ الشامي "إميل الخوري" يعتبر تنظيم "
القسام " : " أخطر منظمة سرية وأعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الحركة الوطنية
الفلسطينية بل تاريخ الجهاد العربي الحديث ".
وقد أطلق أولا على هذا التنظيم اسم "المنظمة الجهادية" ولكن بعد رحيل قائده ومؤسسه
الشيخ القسام غلب عليه اسم جماعة "القسام" أو القساميون" وكان شعار هذا التنظيم: "
هذا جهاد نصر أو استشهاد ".
وقد كانت جماعة " القسام " ذات طابع متطور وسابق
لعصرها في كثير من مجالات العمل التنظيمي والتخطيط والعمل الميداني وهو ما يمكن أن
لنمحه من خلال قراءة في دفاتر الحركة التاريخية.. فكانت الجماعة أولا لا تقبل أي
عضو إلا بعد انتقاء وتمحيص ولا يدخل في عضويتها إلا من كان " مؤمنا مستعدا أن يموت
في سبيل بلاده " ومن أهل الدين والعقيدة الصحيحة.
وكانت استفادة الشيخ
القسام كبيرة من عمله كإمام وخطيب لمسجد " الاستقلال " في مدينة " حيفا " منذ العام
1925م في الاتصال بالناس واختيار العناصر الصالحة لمجموعته كذلك استفاد من رئاسته
لـ " جمعية الشبان المسلمين " في " حيفا " كغطاء مقبول لحركته ونشاطاته وزياراته
للقرى مع إنشاء فروع لهذه الجمعية في اللواء الشمالي لفلسطين مما أعطى غطاءا مناسبا
لحركة إخوانه المجاهدين.
تشكلت القيادة الأولى لمجموعة " القسام " عام 1928م
وضمت بالإضافة إلى قائدها الشيخ " عز الدين القسام " كل من:
§ العبد قاسم
§ محمود زعرورة.
§ محمد الصالح الحمد.
§ خليل محمد عيسى
وكانت القيادة جماعية ومسؤولة عن اتخاذ كافة القرارات المهمة وقد بلغ
عدد أفراد المجموعة نحو 200 فرد عامل منتظم كان غالبيتهم يشرفون على حلقات توجيهية
من الأنصار الذين وصل عددهم إلى نحو 800 فرد.
على المستوى النشاط أسست جماعة
" القسام " خمس وحدات متخصصة تضمنت وحدة لشراء السلاح ووحدة للتدريب ووحدة للتجسس
على اليهود والإنجليز وكان أفراد هذه الوحدة بالذات ممن يعملون في الدوائر الحكومية
وخاصة الشرطة ثم إنه كانت هناك وحدة رابعة للدعاية للثورة والعمل الجهادي وأخيرا
وحدة للاتصالات السياسية.
أما من عن الناحية المالية فقد اعتمدت جماعة
"القسام" على اشتراكات أعضائها وتبرعات الموثوق بهم وكان من ضمن أساسيات العمل في
التنظيم أن يتدرب جميع أفراده على حمل السلاح بحيث يكونون مستعدين لخوض معارك
الجهاد عند إعلانها وكان على كل عضو أن يعمل على تدبير أمر السلاح والذخيرة لنفسه
.. ورغم أن غالبية أعضاء الجماعة لم يكونوا من ميسوري الحال إلا أنهم بذلوا كل ما
يستطيعون من أجل شراء السلاح والاعتماد على أنفسهم في التدريب والإعداد.
ومن خلال بعض المؤشرات والشهادات التاريخية فإن
انتقال الجماعة إلى مرحلة التسليح والتدريب كان في أواخر عام 1928م ثم جاءت ثورة
"حائط البراق" لتدعم التوجه العسكري المسلح لدى الجماعة فأخذ الشيخ " عز الدين
القسام " يسهم في عمليات التدريب بنفسه والتي شملت رحلات ليلية وحركات استطلاعية
ومهام التدريب على الرماية ودقة إصابة الهدف.
وعندما كانت الجماعة تتجه
للإعلان عن نفسها رسميا في نوفمبر من العام 1935م كانت تمتلك وفق " صبحي ياسين "
وهو أحد أعضائها نحو ألف قطعة سلاح وقاعدة للتسليح في منطقة اللاذقية .. ويخطئ من
يتصور أن نشاط " القسام " كتنظيم اقتصر على عام 1935م حيث أن الجماعة قامت بعدد من
العمليات العسكرية في الفترة ما بين عامي 1930- 1932م ولكنها بدت كما لو كانت
عمليات فردية لتحقيق عدد من الأهداف على النحو التالي:
§ كسر حاجز الخوف
وتطبيق ما تم تعلمه لدى أفراد الجماعة.
§ معرفة ردود الفعل المتوقعة لدى كل
الأطراف في فلسطين من عرب ويهود وإنجليز.
§ التعبير عن التفاعل مع تطورات
القضية الفلسطينية.
§ محاولة التصعيد العملياتي لأنشطة الجماعة بما يتناسب
مع خطة الإعداد والتدريب والتعبئة.
وبعد أحداث نوفمبر من العام 1935م وبعد
استشهاد الشيخ "عز الدين القسام" ونفر من جماعته كان لجماعة "القسام" الدور الرئيسي
في تفجير ثورة العرب الكبرى في فلسطين عام 1936م وذلك عبر عملية " عنبتا - نور
الشمس " وذلك في 15 أبريل من العام 1936م والتي قادها القائد الجديد للجماعة الشيخ
" فرحان السعدي " كما أن القساميين كان لهم الفضل في تفجير المرحلة الثانية من
الثورة عندما قاموا في 26 سبتمبر من العام 1937م باغتيال الجنرال " أندروز " الحاكم
البريطاني للواء أو منطقة " الجليل " وقد أسهم القساميون في تنظيم وقيادة الثورة
العربية الكبرى فشارك ثلاثة منهم من أصل ستة في عضوية القيادة العسكرية الميدانية
للثورة والتي قامت في 2 سبتمبر من العام 1936م باختيار القائد السوري " فوزي
القاوقجي " قائدا عاما للثورة والعمل الثوري العسكري المسلح واستمر القاوقجي في
قيادته تلك حتى نهاية المرحلة الأولى من الثورة في 12 أكتوبر من العام
1936م.
وقد تولى قيادة الثورة في شمال فلسطين القائد القسامي الكبير " خليل
محمد العيسى، المكني بأبي إبراهيم الكبير " وكان من مدينة " حيفا " ورصد الاحتلال
البريطاني مكافأة مقدرها 500 جنيه إسترليني لمن يرشد عنه حيث استطاعت الجماعة عن
طريقه وعدد آخر من رجال المقاومة توحيد أقسام عديدة من فلسطين تحت قيادتها وهي
مناطق شمال فلسطين وشمالي " القدس " وقسما من منطقة " نابلس " وهي كانت من أكثر
المناطق اشتعالا بالعمل المسلح.
وكان معظم قيادته من العناصر القسامية ومن
بينهم " أبو محمود الصفوري "،" سليمان عبد الجبار "،" عبد الله الأصبح "،" توفيق
الإبراهيم " وكان من بلدة " عين دور " ورصد الاحتلال مكافأة مقدارها 100 جنيه لمن
يرشد عنه أو للقبض عليه، " عبد الله الشاعر " وكان هذا الأخير من مدينة " صفد "
ورصدت مكافأة مقدارها 100 جنيه لمن يرشد عنه للقبض عليه.
وغيرهم وفي منطقة
لواء " نابلس " التي كانت مقسمة إلى أربعة أقسام كان هناك اثنان من قادة الحركة
القسامية البارزون وهما:
§ الشيخ " عطية أحمد عوض " وكان من بلدة " الشيخ "
ورصد الاحتلال مكافأة 500 جنيه للإرشاد عنه والذي خلفه في منطقته قائد كبير آخر من
جماعة " القسام " وهو " يوسف سعيد أبو الدرة " وهو من قادة " القسام " من بلدة "
سيلة الحارثية " ورصدت مكافأة مقدارها 250 جنيه إسترليني للإبلاغ عنه وسلمه الجنرال
" جلوب " القائد الإنجليزي للجيش الأردني في عام 1940م لقوات الجيش البريطاني في
فلسطين حيث أعدم.
§ القائد الثاني هو الشيخ " محمد الصالح الحمد " المكني بـ
" أبو خالد " وخلفه في منطقته قائد قسامي آخر هو الشيخ " عبد الفتاح محمد الحاج
مصطفى ".
وذلك بالإضافة إلى منطقة كان يقودها القائد " عبد الرحيم الحاج
محمد " في " طولكرم " الشرقية وعرف في كثير من مراحل الثورة باسم " القائد العام "
كما برز " عارف عبد الرزاق " في منطقة " طولكرم " الغربية وكان من بلدة " الطيبة "
ورصدت مكافأة مقدارها 250 جنيه إسترليني للإبلاغ عنه.
وعلى وجه العموم كان
للجماعة دورا كبيرا في الثورة العربية الكبرى في فلسطين طيلة أعوامها الأربعة سواء
على مستوى القيادة أو الأفراد أو النشاطات.. ثم إنه عندما أعلنت الحرب عام 47-
1948م عاد عناصر الجماعة للمشاركة في العمل الفدائي المسلح في فلسطين وقد عمل
معظمهم تحت قيادة وتوجيه الحاج " أمين الحسيني " مفتي فلسطين ضمن جيش منظمة "
الجهاد المقدس " أو مع جيش " الإنقاذ العربي " بقيادة " فوزي القاوقجي " وقد استمر
القساميون في العمل في مناطق تمركزهم السابقة في شمال فلسطين ومن بينهم " أبو
إبراهيم الكبير " وأبو إبراهيم الصغير " و" أبو محمود الصفوري " و" سرور برهم "
ولكنهم هذه المرة لم يكونوا من القيادات الموجهة بل تحركوا بناء على توجيهات وحركة
قيادات أعلى منهم مما وضعهم في مواقف صعبة لم يستطيعوا التوافق معها كما
ينبغي.
وأخيرا يشار إلى أن " أبو إبراهيم الكبير " عمل ضمن قيادة فوج "
اليرموك " الثاني التابع لجيش الإنقاذ بقيادة القاوقجي وكان يقود هذا الفوج " أديب
الشيشكلي " وعمل " أبو إبراهيم الصغير " في منطقة " الناصرة " التي كانت تابعة
لقوات جيش " الجهاد المقدس " وبالمثل تولى " أبو محمود الصفوري " الدفاع عن " شفا
عمرو " ضمن قوات " الجهاد المقدس ".
وقد عاد اسم القسام مجددا إلى العمل
الجهادي الفلسطيني ربما بعد أربعين عاما من حرب النكبة 1948م على أيدي مجاهدي "
حركة المقاومة الإسلامية، حماس " حيث حمل الجناح العسكري للحركة اسم " كتائب عز
الدين القسام ".
المصادر :
§ محسن محمد صالح: " فلسطين: دراسات
منهجية في القضية الفلسطينية " (القاهرة: مركز الإعلام العربي، سلسلة " دراسات
فلسطينية "، العدد " 1 "، الطبعة الأولى، 2003م، ص 279-280، 377- 381).
§ طه
محمد المجدوب وآخرون: " العسكرية الصهيونية .. المجلد الأول: المؤسسة العسكرية
الإسرائيلية.. النشأة / التطور " (القاهرة: مؤسسة " الأهرام "، مركز الدراسات
السياسية والإستراتيجية، الطبعة الأولى، 1972م، ص 120- 140).
§ صالح مسعود
أبو يصير: " جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن " (بيروت: دار الفتح للطباعة والنشر،
الطبعة الأولى، 1968م، ص 175- 176).