منتديات صباح الخير يا فلسطين

زوارنا الأعزاء نتمنى إنضمامكم لموقعنا وإمضاء أوقات ممتعة

أعضائنا الكرام نتمنى منكم مشاركة وفاعلية جيدة

أعضائنا الكرام نتمنى منكم المشاركة في دردشة المنتدي

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات صباح الخير يا فلسطين

زوارنا الأعزاء نتمنى إنضمامكم لموقعنا وإمضاء أوقات ممتعة

أعضائنا الكرام نتمنى منكم مشاركة وفاعلية جيدة

أعضائنا الكرام نتمنى منكم المشاركة في دردشة المنتدي

منتديات صباح الخير يا فلسطين

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في منتديات صباح الخير يا فلسطين

فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 Rsool10
فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 11110
فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 11210
فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 5_212910
فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 11310
فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 231010

5 مشترك

    فلسطين في التاريخ الاسلامي 2

    خفايا الروح
    خفايا الروح
    عضو مفعل
    عضو مفعل


    عدد المساهمات : 172

    العمر : 34

    فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 Empty فلسطين في التاريخ الاسلامي 2

    مُساهمة من طرف خفايا الروح الثلاثاء مارس 16, 2010 5:59 am

    تحقيق الوحدة الإسلامية وتعبئة قواها في بوتقة واحدة.

    - تحطيم القوى الصليبية تدريجياً: بإضعاف هيبتها، وإنهاك قواها، والتحرير التدريجي لأرض المسلمين الواقعة تحت سيطرتها... وذلك بانتظار استكمال الوحدة الإسلامية لتحقيق نصر حاسم ونهائي على هذه القوى الصليبية.

    أولاً: جهود الوحدة الإسلامية:

    ولقد حرص نور الدين على تحقيقها بقدر كبير من الصبر والحكمة والأناة وحرص شديد على عدم إراقة دماء المسلمين، وقد حرص على استمالة القوى الإسلامية المتعددة في الشمال وشمال العراق وكسب صداقتها، كما كان يكشف بطريقة عاقلة واعية حقيقة أولئك الزعماء والحكام -الذين يقفون حجر عثرة أمام الوحدة الإسلامية- أمام رعيتهم، وكان الناس يقارنون بين جهاده وبين تخاذل حكامهم، وبين إصلاحاته وبين إفساد حكامهم، وبين ولائه لله سبحانه ولرسوله وللمؤمنين وبين ولاء حكامهم لمصالحهم وشهواتهم وللصليبيين!!، فأخذ الناس يتمنون حكمه عليهم.... ولذلك فقد وجد كل ترحيب شعبي عند انضمام أي من بلاد المسلمين إليه.

    ضم نور الدين حمص إليه سنة 544هـ -1149م، غير أنه كان يتوق لضم دمشق التي كانت تقف بينه وبين الصليبيين في فلسطين، وكان الحكم في دمشق يسعى بالدرجة الأولى للحفاظ على نفسه فمرة يجاهد الفرنج، ومرة يصانعهم ويهادنهم، ومرة يتحالف معهم إذا خاف من قوة إسلامية ما. ووفق تخطيط متأنٍ يهدف إلى السيطرة على دمشق دون إراقة الدماء، وإلى كسب أهل دمشق إلى صفه، وإلى منع نظام الحكم من الاستعانة بالفرنج عليه إذا قصدهم، استطاع نور الدين أن يفتح دمشق في صفر 549-25 إبريل 1154م، وقد جاء هذا الفتح بعد أن توفي معين الدين أنز 1149م، وبعد أن ضعف الحكم بدمشق، ووقع تحت النفوذ الصليبي الذي فرض الإتاوات على دمشق وكانت رسلهم تدخل البل ويأخذونها منهم(70).

    وتوالت سيطرة نور الدين على مدن وقلاع الشام حتى خضعت معظمها له، غير أنه كان يدرك أن السبيل الفعال لتحرير فلسطين واقتلاع الحكم الصليبي منها لا يكون إلا بالسيطرة على مصر ودخولها ضم الن الجبهة الإسلامية المتحدة، ووضع الصليبيين بين فكي الكماشة.

    وقد جاءت الفرصة لنور الدين بالسيطرة على مصر عندما استعان أحد المتنافسين على الوزارة واسمه شاور بنور الدين على غريمه ضرغام سنة 559هـ، وعرض على نور الدين ثلث دخل البلاد بعد إقطاعات العساكر ويكون قائده الذي يرسله مقيماً بمصر، ويتصرف بأمر نور الدين. أرسل نورُ الدين أسدَ الدين شيركوه الذي هزم ضرغام وقتله، ولكن شاور غدر بشيركوه واستعان بالفرنج لإخراجه، فجاؤوا وحاصروا شيركوه ورفاقه في بلبيس ثلاثة أشهر حتى جاءتهم أخبار انتصارات نور الدين وملكه (حارم) فعرضوا الصلح والعودة إلى الشام فوافق ولم يكن يعلم ما فعله نور الدين بالشام(71).

    واشتد التنافس بين نور الدين وبين الصليبيين على مصر، وخصوصاً أن الدولة الفاطمية كانت في ضعف شديد وفي طور الاحتضار. فأرسل نور الدين أسدَ الدين شيركوه إلى مصر في ألفي فارس في حملة ثانية في ربيع الآخر 562هـ، واستطاع هزيمة الفرنج وجيش مصر بالصعيد، وملك الإسكندرية بمساعدة أهلها وذهب للصعيد فملكه، غير أنه اضطر للعودة إلى دمشق في ذي القعدة بعد أن اشترط على الفرنج ألا يأخذوا ولو قرية واحدة من مصر فوافقوا(72).

    وتمت السيطرة لنور الدين على مصر في الحملة الثالثة التي قادها أيضاً أسد الدين شيركوه في ربيع الأول 564هـ، ففي ذلك الوقت كان الفرنج بسبب تحالف (شاور) معهم قد تمكنوا من البلاد المصرية وأصبح لهم نفوذ كبير، وتسلموا أبواب القاهرة وجعلوا لهم فيها جماعة من شجعانهم وأعيان فرسانهم «وحكموا على المسلمين حكماً جائراً وركبوهم بالأذى العظيم» وطمع الفرنج بملك مصر فجاءت حملة بقيادة ملك بيت المقدس احتلت بلبيس عنوة فقتلت وأسرت ثم حاصرت القاهرة، وأرسل الخليفة العاضد إلى نور الدين يستغيثه وأرسل في الكتب شعور النساء وقال هذه شعور (جمع شَعْر) نسائي من قصري يستغثن بك لتنقذهن من الفرنج. فأرسل نور الدين حملته الثالثة فلما قارب أسد الدين مصر خرج الفرنج خائبين، وانتهت الحملة بسيطرة أسد الدين على مصر وقتل الوزير شاور، وتولى أسد الدين الوزارة مكانه في يناير 1169م في 17 ربيع الآخر 564هـ، غير أن أسد الدين توفي بعد شهرين في 22 جمادى الآخرة فولي صلاح الدين يوسف الأيوبي الوزارة مكانه(73).

    وبأمر من نور الدين أسقط صلاح الدين الخلافة الفاطمية، وتمت الخطبة للخليفة العباسي المستضيء في ثاني جمعة من محرم 567 هـ-10 سبتمبر 1171م «فلم ينتطح في ذلك عنزان»، ومات الخليفة الفاطمي العاضد في 10 محرم دون أن يعلم بذلك(74). وهكذا، ضمت مصر اسمياً للخلافة العباسية وأصبحت تحت القيادة الفعلية لنور الدين.

    وفي 566هـ -1170م ضم نور الدين الموصل والمناطق التي تتبعها إلى حكمه(75)، كما ضم نور الدين اليمن إلى حكمه سنة 569هـ-1173 عندما أذن لصلاح الدين بفتحها فأرسل إليها أخاه توران شاه بن أيوب حيث تمت له السيطرة عليها(76)، وبذلك امتدت الجبهة الإسلامية المتحدة من العراق إلى الشام فمصر واليمن مما أنذر بقرب القضاء على الصليبيين.

    ثانياً: تحطيم القوى الصليبية:

    خلال فترة حكمه التي امتدت من 1146-1174م لم تتوقف المعارك وحروب الجهاد بين نور الدين والصليبيين، وفي الوقت الذي كان يدعم فيه حكمه ويوحد جهود المسلمين كان يقوم بالاستيلاء التدريجي على الممالك الصليبية ويضعف قوتها يوماً بعد يوم وهو يعد للمعركة الفاصلة معهم، وخلال تلك الفترة استطاع نور الدين في جهاده الإسلامي استرجاع وتحرير حوالي 50 مدينة وقلعة مما كان تحت سيطرة الصليبيين.

    فمنذ بداية حكمه أحكم السيطرة على منطقة الرها وصفَّى الأملاك التي كانت تتبعها (تل باشر، سميساط، قلعة الروم، دلوك، الراوندان، قورس، مرعش، إعزاز، عينتاب، البيرة...) وذلك خلال الفترة بين 1146 - 1151م.

    كما استعاد وحرر جميع الأراضي التي كانت تتبع إمارة أنطاكية شرقي نهر العاصي (1147- 1149م) وقتل في أحد معاركها (أنب 29/يوليو/1149) أمير أنطاكية ريموند، وزعيم الباطنية المتعامل معهم ضد المسلمين علي بن وفا. وقام بدور أساسي في تحطيم الحملة الصليبية الثانية (1147-1148) التي شارك فيها ملك فرنسا لويس السابع وإمبراطور ألمانيا كونراد الثالث والتي تعتبر نقطة تحول خطيرة في تاريخ الحروب الصليبية حيث كسرت هيبة الصليبيين ورفعت الروح المعنوية لدى المسلمين(77).

    واستمرت الحروب سجالاً، ووقعت العديد من المعارك الهامة، أدت إلى إضعاف النفوذ الصليبي وضم مناطق جديدة لنور الدين على حساب الصليبيين.. حتى أحكم نور الدين إحاطة مملكة بيت المقدس الصليبية. ولا يتسع المجال لذكر المعارك والوقائع كلها ولكنا نكتفي بالإشارة إلى إحداها وهي التي وقعت عند تل حارم في رمضان 559هـ- 11 أغسطس 1164م.

    ففي سنة 558هـ كان نور الدين قد انهزم من الفرنج تحت حصن الأكراد، وهي المعركة التي عرفت بـ «البقيعة»، حيث كبسهم الفرنج فجأة وأكثروا فيهم القتل والأسر، ونجا نور الدين في اللحظة الحاسمة وهرب، ونزل قرب حمص وهناك أقسم «والله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام» ثم أرسل إلى حلب ودمشق وأحضر الأموال والثياب والخيل والسلاح فأعطى الناس عوض ما أخذ منهم جميعه وعاد العسكر «كأن لم تصبه هزيمة»(78).

    ولما رأى أصحاب نور الدين كثرة خروجه للجهاد وإنفاقه عليه قال له بعضهم «إن لك في بلادك إدرارات وصدقات كثيرة على الفقهاء والفقراء والصوفية والقراء فلو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح، فغضب من ذلك وقال «والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك، فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ وأصرفها على من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطئ، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال، كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم»؟!(79)

    وعرض الفرنج الصلح، لكن نور الدين رفض.واجتمع جيشا المسلمين والفرنج بعد أن حشدا حشوداً ضخمة عند حارم. وقبيل القتال انفرد نور الدين بنفسه تحت تل حارم وسجد لله ومرَّغ وجهه وتضرع «يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك»... «إيش فضول محمود في الوسط»!!.. وقال «اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً. من محمود الكلب حتى يُنصر»؟!! يحقر نفسه ويتذلل إلى الله سبحانه(80).

    والتحم الفريقان في 11 أغسطس 1164، وانكشفت المعركة الكبرى عن كارثة هائلة حلت بالصليبيين إذ قتل منهم عشرة آلاف وأسر عشرة آلاف أو أكثر، وكان من بين الأسرى أمير أنطاكية وأمير طرابلس وحاكم قيليقية البيزنطي وأسر جميع الأمراء عدا أمير الأرمن. وفي اليوم التالي استولى نور الدين على حارم...، وكان ذلك فتحاً كبيراً(81).

    وفي عام 1173م-569هـ كان نور الدين قد أعد عدته للهجوم النهائي على بيت المقدس وتحرير أرض الإسراء من النفوذ الصليبي حتى إنه قد جهز منبراً جديداً رائعاً للمسجد الأقصى يوضع فيه بعد الانتصار على الصليبيين بإذن الله، وراسل في ذلك عامله على مصر صلاح الدين الذي تلكأ بسبب الظروف الخاصة التي تواجهه في مصر والتي يرى أنها تحتاج إلى صبر وأناة وإعداد. ولم يرض نور الدين بذلك التأخر فقرر الذهاب إلى مصر وترتيب أمورها بنفسه إلا أن المنيَّة عاجلته، فتوفي رحمه الله في 15/مايو/1174م الموافق 11 من شوال 570هـ(82).

    وهكذا انطوت صفحة رائعة من صفحات الجهاد أيام الحروب الصليبية إلا أن الصفحة التي تلتها كانت مشرقة ومؤثرة في مسار التاريخ تلك هي صفحة صلاح الدين الأيوبي.
    فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 Top


    جهاد صلاح الدين الأيوبي 569-589هـ

    رفع الراية -من بعد نور الدين محمود- صلاح الدين الأيوبي وقد سار على خطى سلفه نور الدين، فقد ترسم المنهج الإسلامي والحل الإسلامي في تحطيم القوى الصليبية وتحرير الأرض المقدسة.

    جاء صلاح الدين وقد وجد أن نور الدين قد هيأ الظروف المناسبة لاسترداد الأرض المقدسة فاستغلها أحسن استغلال وقطف ثمارها اليانعة بعد سنوات من حكمه.

    ولد صلاح الدين يوسف بن أيوب 532هـ - 1137م بقلعة تكريت وكان أبوه والياً عليها، دخل هو وأبوه وعمه في خدمة نور الدين محمود، وشارك عمه أسد الدين شيركوه في حملاته الثلاث على مصر، وولي الوزارة في مصر وعمره 32 سنة.

    يوصف صلاح الدين بأنه كان حسن العقيدة، كثير الذكر، شديد المواظبة على صلاة الجماعة، ويواظب على السنة والنوافل، ويقوم الليل. وكان يحب سماع القرآن وينتقي إمامه، وكان رقيق القلب خاشع الدمعة إذا سمع القرآن دمعت عيناه، شديد الرغبة في سماع الحديث، كثير التعظيم لشعائر الله. وكان حسن الظن بالله .كثير الاعتماد عليه عظيم الإنابة إليه.

    وكان صلاح الدين عادلاً رؤوفاً رحيماً ناصراً للضعيف على القوي، وكان كريماً. وكان حسن العشرة، لطيف الأخلاق، طاهر المجلس لا يذكر أحد بين يديه إلابخير، طاهر السمع...، طاهر اللسان، طاهر القلم فما كتب إيذاء لمسلم قط.

    وكان شجاعاً شديد البأس والمواظبة على الجهاد عالي الهمة، قال يوماً وهو قرب عكا «في نفسي أنه متى ما يسر الله تعالى فتح بقية السواحل قسمت البلاد، وأوصيت وودعت، وركبت هذا البحر إلى جزائرهم أتتبعهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت».

    ومات صلاح الدين ولم يكن لديه من الأموال ما تجب فيه الزكاة، واستنفدت صدقة النفل جميع ما ملكه، ولم يخلف في خزائنه من الفضة والذهب إلا 47 درهماً ناصرية، وديناراً واحداً ذهباً، ولم يخلف ملكاً ولا داراً ولا عقاراً ولا مزرعة... عزم على الحج في السنة التي توفي فيها ولكنه تعوق بسبب ضيق ذات اليد وضيق الوقت(83).

    صراع على خلافة نور الدين:

    لما مات نور الدين بويع لابنه من بعده بالملك وهو الصالح إسماعيل، وكان صغيراً في الحادية عشرة من عمره، وجُعل أتابكه شمس الدين بن المقدم... «فاختلف الأمراء وحادت الآراء وظهرت الشرور وكثرت الخمور.... وانتشرت الفواحش... وطمعت الأعداء من كل جانب في المسلمين»(84) وعندما هاجم الفرنج المسلمين واجههم ابن المقدم عند بانياس لكنه ضعف عن مقاومتهم، فبذل لهم أموالاً جزيلة وهادنهم، كما خرجت أرض الجزيرة من ملك الصالح إسماعيل، كما استبعد الأمراء المتحكمون في الصالح بني الداية وسجنوهم وهم من أقرب الأمراء المقربين إلى نور الدين (شمس الدين بن الداية ومجد الدين بن الداية رضيع نور الدين...) وكان كل ما سبق سبباً في غضب صلاح الدين على الأمراء المتحكمين في الملك الصالح، بل واعتبر نفسه أحق الناس بالإشراف على تربية وخدمة الملك الصالح(85).

    وهكذا فتحت أنظمة الحكم الوراثي، وانعدام المؤسسات «الدستورية» الشورية، والتنازع على السلطة وحب الرئاسة...، فتحت المجال أمام مرحلة جديدة من الصراع والخلاف بين المسلمين أخرت المعركة الفاصلة التي كان يعد لها نور الدين. واضطرت صلاح الدين أن يخوض معركة الوحدة من جديد ولم يتم له ذلك إلا بعد أكثر من 12 سنة.

    ففي ربيع الأول 570 هـ -نوفمبر 1174م ضم صلاح الدين دمشق سلماً، ثم ضم حمص دون قلعتها في 10 ديسمبر 1174، ثم ملك حماة وقلعتها 28 ديسمبر 1174، ثم عاد فسيطر على قلعة حمص، ثم استولى على بعلبك في رمضان من نفس العام فصار أكثر الشام بيده، وكان صلاح الدين طوال ذلك الوقت محافظاً على ولائه الظاهر للصالح بن نور الدين والدعوة له في المساجد وسك العملة باسمه، ولكن بعد أن وقعت معركة بين صلاح الدين من جهة وبين جند حلب والموصل الزنكيين من جهة أخرى وانتصر فيها صلاح الدين، قطع حينئذ صلاح الدين الخطبة وسك العملة للملك الصالح، وتسمَّى هو بملك مصر والشام وأقره الخليفة على ذلك. ثم استولى صلاح الدين في نفس العام (570هـ) على قلعة بعرين(86).

    وفي السنة التالية 570هـ استولى صلاح الدين على بزاعة ومنبج وإعزاز(87)، وفي 577هـ توفي الملك الصالح إسماعيل في حلب ولم يكمل العشرين عاماً(88)، وفي 578هـ عبر صلاح الدين الفرات وملك منطقة الجزيرة (الرها - حران - الرقة...) وملك سنجار(89)، وفي 579هـ ملك صلاح الدين آمد وتل خالد وعينتاب(90)، وملك حلب في صفر من نفس العام حيث نزل عنها عماد الدين بن مودود بن زنكي مقابل سنجار ونصيبين والخابور والرقة وسروج، وبملك صلاح الدين حلب -بعد حصارها مرات عديدة- «استقر ملك صلاح الدين بملكها وكان مزلزلاً فثبت قدمه بتسلمها...»(91)،كما فتح صلاح الدين قلعة حارم(92). وفي سنة 581هـ ملك صلاح الدين ميافارقين، واستلم شهرزور وولاية القرابلي وجميع ما وراء نهر الزاب(93). وأخيراً دخلت الموصل وما يتبعها في حكم صلاح الدين في 582هـ - 1186م(94).

    استمرار الجهاد:

    ولم تخل هذه المرحلة 569-582هـ، 1174-1186م من معارك عنيفة(95) مع الصليبيين أسهمت في المحافظة على هيبة المسلمين، والتعرف على إمكانات العدو ونقاط ضعفه، واستدراك جوانب النقص عند المسلمين، وعدم إعطاء العدو فرصة للتقوِّي والتمدد والانتشار، إلا أن صلاح الدين لم يدخل في معركة فاصلة مع الصليبيين.

    ونمر هنا على أهم الوقائع مع الصليبيين في تلك الفترة، ففي سنة 570هـ هزم المسلمون الأسطول الصليبي القادم من صقلية والذي هاجم الإسكندرية بخمسين ألف رجل هزيمة كبيرة(96). وفي 573هـ هاجم صلاح الدين الفرنج من جهة مصر حتى وصل عسقلان وفتحها وأسر وقتل وأحرق، ثم انساح جند صلاح الدين لما رأوا أن الفرنج لم يظهر لهم عسكر وسار صلاح الدين للرملة وهناك فاجأهم الفرنج وهزموهم ورجع صلاح الدين في نفر يسير ومشقّة شديدة(97)، وكان درساً قاسياً له. وفي نفس العام حاصر الفرنج حماة وحارم وفشلوا، وهزم الفرنج في العام التالي عند حماه(98). وفي 575هـ أغار صلاح الدين على مناطق سيطرة الفرنج وخرب الحصن الذي أقاموه بمخاضة الأحزان قرب بانياس، ووقعت معركة شديدة انتصر فيها المسلمون ونجا ملك الفرنج وأسر عدد من قادتهم: ابن بيرزان صاحب الرملة ونابلس وهو أعظم الفرنج محلاً عند الملك، وأسر أخوه صاحب جبيل، كما أُسر صاحب طبرية ومقدم الداوية وصاحب جنين(99).

    وفي 578هـ قام صلاح الدين بغارات على أطراف مناطق سيطرة الفرنج مُركِّزاً على الشوبك والكرك، وفتح المسلمون الشقيف من أعمال طبرية على يد فرخشاه (والي دمشق)، واقتحم فرخشاه بيسان وغنم ما فيها، وسارت العرب فأغارت على جنين واللجون حتى قاربوا عكا(100). وفي نفس العام هزم أسطول صلاح الدين الأسطول الذي سيره أرناط (رونالد دي شاتيون) حاكم الكرك في البحر الأحمر للتخريب في سواحل المسلمين ومهاجمة مكة والمدينة...، وأرسل بعض أسرى الفرنج إلى منى لينحروا عقوبة لمن رام إخافة حرم الله(101).

    وفي 579هـ عبر صلاح الدين نهر الأردن في 19 جمادى الآخرة فقصد بيسان وأحرقها وخربها «وأغار المسلمون على تلك الأعمال يميناً وشمالاً ووصلوا فيها إلى مالم يكونوا يطمعون في الوصول إليه والإقدام عليه». كما غزا صلاح الدين الكرك، وعاد فحاصرها في السنة التالية دون جدوى ثم سار (580هـ) إلى نابلس ونهب كل ما على طريقه من البلاد فلما وصل نابلس أحرقها وخربها وقتل فيها وسبى وأسر، وسار إلى سبسطية فاستنقذ جماعة من أسرى المسلمين، ووصل إلى جنين فنهبها وخربها وعاد إلى دمشق وهو يبث السرايا عن يمينه وشماله يغنمون ويخربون أملاك الفرنج(102).

    وفي سنة 582هـ مات ملك الفرنج في بيت المقدس وتولى مكانه طفل صغير وحدث خلاف وطمع في السلطة بين الفرنج جعل صاحب طرابلس يراسل صلاح الدين ويتحالف معه ضد أقرانه من الفرنج. وفي السنة نفسها غدر صاحب الكرك أرناط بقافلة عظيمة للمسلمين فأخذها عن آخرها وغنمها، ولم يستجب لطلب صلاح الدين ووعيده بإطلاقها، فأقسم صلاح الدين ليقتلنه إن ظفر به(103).

    وهكذا دخلت سنة 583هـ وقد نضجت ظروف الإعداد للمعركة الفاصلة من توحيد لقوى المسلمين، ومن كسر لهيبة الصليبيين وخبرة أوسع في فن التعامل معهم، وبهذا دخل صلاح الدين معركة حطين. وقبل الإشارة إلى معركة حطين نقف قليلاً عند استرتيجية العمل لدى صلاح الدين.

    استراتيجية العمل والإعداد لدى صلاح الدين:

    1- الان طلاق من قاعدة قوية ومأمونة:

    وتمثل ذلك في إعادة الوحدة وتقويتها، وبناء الإنسان المسلم المقاتل، وبناء الاقتصاد الحربي.

    2- بناء المجتمع للحرب:

    وفي هذا حرص على إشاعة العدل وإزالة الأحقاد بين إمارات المسلمين وتوجيه العداء ضد الصليبيين. كما أقام الصناعات الحربية من دور صناعة سفن وتنظيم الحصون وحمايتها وتجهيزات الحصار...

    3- وضوح الهدف:

    الذي تمثل بقيادة الأمة الإسلامية لطرد الصليبيين. وهذا الوضوح ساعد على كفاءة الأداء والإعداد فكان «يبذل أقل جهد لأفضل نتيجة»، كما ساعد على تحديد أهداف العمليات العسكرية فكانت الأولوية للتحرير، وحددت السياسات على هذا الأساس.

    4- الحرص على المسلمين:

    فهو «يحرص على المسلمين لتحقيق هدف الحرب، ويحرص على الحرب للمحافظة على المسلمين»، وقد اعتاد على رد العدوان بأقوى منه حفاظاً على الروح المعنوية، وتبني الاستعداد القتالي المستمر، وحدد لكل عملية أساليبها المناسبة(104).

    بالإضافة إلى هذه الاستراتيجيات الأساسية فقد تبنى صلاح الدين في معاركه استراتيجية الهجوم غير المباشر مثل القيام بمسيرات طويلة وهجمات مباغتة، والهجوم على جهة لتخفيف الضغط على جهة أخرى. واستراتيجية الحرب التشتيتية كتشتيت الجيش المعادي داخل المعركة (فصل الفرسان عن المشاة مثلاً)، واستغلال النزاعات السياسية وضرب فريق بآخر وتحييد الأعداء. واستراتيجية الهجمات الوقائية التي تضعف قدرة العدو القتالية قبل هجومه أو استكمال استعداده(105).

    وحقق صلاح الدين في حروبه المبادئ الأساسية للحرب بكفاءة كبيرة مثل:

    - مبدأ المباغتة.

    - مبدأ أمن العمل: بما تمثل له من شبكة أمنية جاسوسية قوية ودقيقة.

    - مبدأ القدرة الحركية: بما تعنيه من سرعة تحرك الجيش وتجمعه وانتقاله.

    - مبدأ المبادأة والقوة الهجومية: الذي تمثل بتحويل الروح الدفاعية إلى هجومية.

    - مبدأ الاقتصاد بالقوى: فلكل معركة ما يناسبها.

    - مبدأ المحافظة على الهدف: فكان يهتم بتدمير القوى البشرية للصليبيين بالدرجة الأولى، وحرمانهم من مواردهم الاقتصادية وتحويلهم إلى عبء على الغرب، وتحرير الأرض من الداخل باتجاه الساحل.

    وبالنسبة للجيش الإسلامي فإن صلاح الدين رسخ الاستعدد الدائم للقتال، ورفع الروح الإيمانية والجهادية في النفوس، كما نمى الكفاءة البدنية الجسدية، وأكد على الانضباط وكمال الطاعة (في غير معصية)(106).

    معركة حطين:

    جهز صلاح الدين جيشه للمعركة الفاصلة وكانوا 12 ألف مقاتل نظامي سوى المتطوعة وجهز الفرنج أنفسهم وتصالحوا وتجمعت ملوكهم وجيوشهم، وكونوا جيشاً من حوالي 63 ألف مقاتل.

    اجتاز صلاح الدين نهر الأردن، وفتح طبرية بدون قلعتها، وبدأت المناوشات يوم الجمعة إلا أن المعركة احتدمت يوم السبت 24 ربيع الآخر 583هـ - 4 يوليو 1187م، وعانى الفرنج من الحر والعطش، وحصرهم المسلمون وأحرقوا الحشائش الجافة من حولهم ومن تحتهم «فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح وحر رشق النبال»، ثم أمر السلطان بالتكبير وبالحملة الصادقة، فمنح الله المسلمين أكتاف الفرنج فقتلوا منهم ثلاثين ألفاً وأسروا ثلاثين ألفاً، وكان فيمن أسر جميع ملوكهم سوى أمير طرابلس «ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله، ودفع الباطل وأهله، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم يقود نيفاً وثلاثين أسيراً من الفرنج، قد ربطهم بطنب خيمة، وباع بعضهم أسيراً بنعل ليلبسها في رجله، وجرت أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين»(107).

    ووقع في الأسر الملك جاي ملك بيت المقدس وأخوه، وأرناط حاكم الكرك الذي قتله صلاح الدين بيده براً بيمينه لغدره وإيذائه المسلمين، وأسروا صاحب جبيل وابن هنفرى، ومقدم الداوية، وجماعة من الداوية وجماعة من الاسبتارية وقد أعدم المسلمون الداوية والاسبتارية لشدة نكايتهم في المسلمين(108).

    هذه هي وقعة حطين، وهي إحدى المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي وتاريخ فلسطين، بات المسلمون ليلتها يكثرون من التكبير والتهليل، وانتهت بسجود صلاح الدين لله شكراً مع سقوط خيمة ملك الفرنج وأسره(109).

    وبعد هذه المعركة فتحت الطريق أمام المسلمين لتحرير معظم أرجاء فلسطين فخلال أيام قليلة تم فتح طبرية ثم عكا (10 يوليو)، ثم الناصرة وصفورية، ثم قيسارية وحيفا وأرسوف، ثم نابلس، ثم الفولة ودبورية وجنين وزعين والطور واللجون وبيسان وجميع ما يتبع طبرية وعكا، وتم فتح يافا. ثم اتجه المسلمون شمالاً ففتحوا حصن تبنين، ثم صيدا (29 يوليو)، ثم بيروت (6 أغسطس)، وجبيل. ثم اتجهوا جنوباً لاستكمال فتوح فلسطين ففتحوا الرملة ويبنه وبيت لحم والخليل، ثم عسقلان (4 سبتمبر)، وغزة والداروم، وأقام صلاح الدين بعسقلان حتى تسلم حصون الداوية في غزة والنطرون وبيت جبريل... وغيرها(110). وقد تمَّ ذلك كله لصلاح الدين في شهرين تقريباً وبعضها كان يحتاج إلى سنين من الحصار لاقتحامه وكان جملة ما فتح «خمسين بلداً كباراً كل بلد له مقاتلة وقلعة ومنعة»(111).

    تحرير بيت المقدس:

    وتطلعت الأنظار إلى القدس فأعد صلاح الدين عدته وبدأ حصارها في منتصف رجب 583هـ -20 سبتمبر 1187م، وكان داخل القدس حوالي ستين ألف مقاتل صليبي كلهم يرى الموت أهون عليه من تسليمها. وخلال أيام حصارها جرت صدامات عديدة وحاول المسلمون اقتحامها واقتتلوا «أشد قتال رآه الناس، وكل واحد من الفريقين يرى ذلك ديناً وحتماً واجباً فلا يحتاج فيه إلى باعث سلطاني»(112). وطلب الفرنج الأمان مقابل تسليم المدينة فرفض صلاح الدين إلا أن يفعل بهم كما فعلوا بالمسلمين عندما احتلوها قبل حوالي تسعين عاماً، ثم عادوا وطلبوا الأمان وهددوا إن لم يعطوه أن يقتلوا أسرى المسلمين وهم ألوف، ثم يقومون بقتل نسائهم وذراريهم من النصارى ويحرقون ويعطبون أموالهم، ويقتلون حيواناتهم، ويخربون الصخرة والأقصى، ثم يخرجون ليقاتلوا حتى النهاية قتال المستميت. وشاور صلاح الدين أصحابه فأجمعوا على الإشارة بالأمان، فأمنهم صلاح الدين. وتم للمسلمين فتح القدس في 27 رجب 583هـ-2 أكتوبر 1187. وظهر من تسامح ورحمة صلاح الدين الكثير مما اعترف به الصليبيون أنفسهم(113).

    وهكذا عادت بيت المقدس لتحكم براية الإسلام بعد 91 سنة هجرية (88سنة ميلادية)، وأعيد للمسجد الأقصى بهاؤه ونضارته، وعاد صوت الآذان يصدح في جنباته، وتم إحضار المنبر الذي أعده نور الدين للمسجد الأقصى قبل فتحها بعشرين سنة(114).

    ومن المهم الإشارة إلى أن صلاح الدين تابع فتح المدن والقلاع الصليبية الأخرى، ففتح سنة 584هـ جبلة واللاذقية وقلعة صهيون، وفتح حصن بكاس والشغر وسرمينية وبرزية ودرب ساك وبغراس(115). كما فتح الكرك وما يجاورها كالشوبك بعد طول حصار بالأمان «وفرغ القلب من تلك الناحية وألقى الإسلام هناك جرانه وأمنت قلوب من كان في ذلك الصقع من البلاد كالقدس وغيره، فإنهم كانوا ممن بتلك الحصون وجلين ومن شرهم مشفقين». وفتح صلاح الدين صفد بالأمان بعد حصار وخرج الفرنج إلى صور «وكفى الله المؤمنين شرهم فإنهم كانوا وسط البلاد الإسلامية»(116)، كما فتح كوكب. وفي ربيع الأول 585هـ فتح صلاح الدين شقيف أرنوم وهي من أمنع الحصون(117).

    وهكذا، عادت أرض فلسطين لتحكم تحت راية الإسلام من جديد. ولكن ربيع الانتصارات لم يدم طويلاً فانفتحت صفحة جديدة من الصراع والتحدي.

    متابعة الجهاد ضد الصليبيين:


    تجمع الصليبيون الذين سقطت مدنهم وقلاعهم في صور، وكان صلاح الدين قد تسامح وتساهل معهم في الذهاب إليها، وأخذ الصليبيون يرسلون الاستغاثات وتأتيهم الإمدادات حتى قويت شوكتهم، ثم إن صلاح الدين أطلق سراح الملك جاي سنة 584هـ على أن يعود لفرنسا فذهب إلى صور وتولى قيادة الصليبيين من هناك بمساعدة أسطول من «بيزا» الإيطالية.... «وكان ذلك كله بتفريط صلاح الدين في إطلاق كل من حصره حتى عض بنانه ندماً وأسفاً حيث لم ينفعه ذلك» على حد تعبير ابن الأثير(118).

    هاجم الصليبيون من صور مدينة عكا 585هـ-1189م وانتظروا هناك حتى جاءتهم إمدادات الحملة الصليبية الثالثة التي دعا إليها البابا أوربان الثاني «لاستعادة» بيت المقدس يقودها ثلاثة من ملوك أوروبا، امبراطور ألمانيا فردريك بربروسا الذي مات وهلك أكثر جيشه في الطريق(119)، وريتشارد قلب الأسد ملك انكلترا الذي جاء بحراً «فعظم به شرُّ الفرنج واشتدت نكايتهم في المسلمين، وكان رجل زمانه شجاعة ومكراً وجلداً وصبراً، وبلي المسلمون منه بالداهية التي لا مثل لها»(120)، وملك فرنسا فيليب أغسطس. وحاصرت جميع الجيوش عكا (ربيع الثاني - جمادى الأولى 587هـ - يونيو 1191) وسقطت بأيدي الفرنج في 17 جمادى الأولى 587هـ -12 يوليو 1191م. وبهذا عاد الصليبيون ليكون لهم موطئ قدم جديد في فلسطين. وتداول المسلمون والفرنج الصراع ونال كل طرف من الآخر، واستطاع الفرنج التمدد على الساحل إلى الجنوب فاحتلوا حيفا ويافا(121).

    ومن المهم الإشارة إلى أن الصراع كان دموياً مريراً فقد أشار ابن كثير إلى أن صلاح الدين أقام على عكا صابراً مصابراً مرابطاً سبعة وثلاثين شهراً وأن جملة من قتل من الفرنج كان خمسين ألفاً(122).

    وانتهت الحملة الصليبية الثالثة بعقد صلح الرملة بين ريتشارد قلب الأسد وصلاح الدين الأيوبي في 21 شعبان 588هـ - 1سبتمبر 1192، وهو عبارة عن هدنة مدتها ثلاث سنين وثلاثة أشهر، سيطر الفرنج بمقتضاها على الساحل من يافا إلى عكا، وسمح لهم بزيارة القدس وحرية التجارة وتنقل القوافل بين الطرفين(123). على أنه من المهم الإشارة هنا إلى بعض النقاط المتعلقة بهذا الصلح:

    1- لم يكن صلاح الدين يميل إلى عقد الصلح وعندما أحضر أمراءه المستشارين كان رأيه عدم قبول الهدنة، وكتب العماد الأصفهاني بأسلوبه رأي صلاح الدين... «نحن بحمد الله في قوة، وفي ترقب نصرة مرجوة...، وقد ألفنا الجهاد، وألفنا به المراد، والفطام عن المألوف صعب...، وما لنا شغل ولا مغزى إلا الغزو....، رأيي أن أخلّف رأي الهدنة ورائي، وأقدم بتقديم الجهاد اعتزازي وإليه اعتزائي...، ولي بتأييد الله من الأمر أجزمه وأحزمه»(124).

    ولكن مستشاريه أجمعوا على قبول الصلح بحجة خراب البلاد، وتعب الأجناد والرعية، وقلة الأقوات، ولأن الفرنج إذا لم تحدث الهدنة أصروا على البقاء والقتال، أما إن حدثت فسيعود للبلاد سكانها وعمارها، وتستريح الأجناد وتقوى وتستعد للحرب، وكان رأيهم أن الفرنجة لا يفون بعهودهم ولذلك نصحوه بعقد الهدنة حتى يتفرق الفرنج وينحلوا. وما زالوا به حتى رضي(125).

    2- إن هذا الصلح هدنة مؤقتة قصيرة الأجل وليس معاهدة سلام دائمة وقد عقد مثلها قبلها وبعدها العديد وهي جائزة في الشرع حسب تقدير المصلحة التي يقررها إمام المسلمين، وقد استمرت من بعدها الصراعات والمعارك.

    3- لم يتم في هذه الهدنة أي اعتراف للفرنج بأي حق لهم على أرض فلسطين، وإنما تقررت الهدنة بعدم القتال على ما انتزعوه من أرض إلى أن تنتهي الهدنة.

    وشتان ما بين هذه الهدنة التي عقد المسلمون منها العشرات وبين معاهدة السلام مع الكيان الإسرائيلي التي تجري في عصرنا.

    وعلى كل حال فإن الأمر لم يطل بصلاح الدين فتوفي رحمه الله في 27 صفر 589هـ 4مارس 1193(126)، أي بعد ستة أشهر فقط من توقيع صلح الرملة.

    الأيوبيون والصراع مع الصليبيين

    دب النزاع والشقاق بين خلفاء صلاح الدين، ودخلوا بعد سنوات من وفاته في صراعات دموية أضعفتهم، وقوت شوكة المملكة الصليبية في عكا التي استمرت وتمددت في بعض الأحيان على حسابهم. لقد كان حب الدنيا وحب السلطان ولو على حساب المبادئ والمقدسات أحد المظاهر التي حكمت عدداً من سلاطين الدولة الأيوبية، فتحالف بعضهم مع الصليبيين ضد بعض وعرضوا عليهم بيت المقدس أكثر من مرة مقابل أن ينتصر سلطان الشام على سلطان مصر أو العكس!! وقد سعد الصليبيون بهذا الدور الذي لعبوه، ولكنهم ظلوا على طمعهم في الجميع، غير أن ربيع الصليبيين لم يدم طويلاً.

    انتهت الحملة الصليبية الرابعة التي أرسلها الغرب 601هـ-1204م في القسطنطينية- ولم تصل إلى الشام أو مصر(127)، أما الحملة الخامسة فقد انطلقت من عكا نفسها بقيادة ملكها يوحنا بريين إلى دمياط بمصر 615-618هـ - 1218-1221م. وعندما شعر السلطان الأيوبي الكامل محمد بن محمد بن أيوب بخطورة الوضع عرض على الفرنج الصلح مقابل تسليمهم القدس ومعظم فتوح صلاح الدين، فرفضوا وطالبوا بجنوب شرق الأردن أيضاً (الكرك والشوبك...) وقام الملك المعظم عيسى بن أحمد بن أيوب صاحب دمشق بتدمير أسوار القدس وتخريبها حتى لا يستفيد منها الفرنج إذا احتلوها 616هـ -1219م لكن الأيوبيين حشدوا قواهم في النهاية واستطاعوا هزيمة الصليبيين الذين عادوا خائبين إلى عكا بعد أن فاتتهم فرصة عظيمة(128).

    ثم إن الخلاف الناشب بين الكامل محمد والمعظم عيسى أدى إلى استنجاد الكامل محمد بفردريك الثاني امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة والذي أصبح وصياً على عرش مملكة عكا الصليبية، ووعده بتسليمه القدس إن هو ساعده على أخيه المعظم عيسى. وجاء فريدريك الثاني يقود الحملة الصليبية السادسة ووصل إلى عكا سنة 625هـ-1228م، ورغم أن المعظم عيسى توفي مما مكن أخويه الكامل والأشرف من اقتسام أملاكه مع إعطاء ابنه الناصر داود الكرك والبلقاء والأغوار والسلط والشوبك، ولم يعد الكامل بحاجة إلى فردريك الثاني، إلا أن الكامل فرط في القدس «وفاء» بعهده لفردريك!! الذي لم يكن لديه من القوة ما يكفي لإجبار المسلمين على التنازل عن القدس بل إن فردريك اضطر للبكاء واستعطاف الكامل في مراحل المفاوضات ليتسلم القدس!! ومما قاله للكامل «... أنا مملوكك وعتيقك وليس لي عما تأمره خروج.... فإن رأى السلطان أن ينعم علي بقبضة البلد والزيارة فيكون صدقة منه ويرتفع رأسي بين ملوك البحر»!! واستجاب له الكامل وعقد معه صلح يافا 626هـ- 18فبراير 1229م لمدة عشر سنوات وبمقتضاه تقرر أن يأخذ الفرنجة بيت المقدس وبيت لحم وتبنين وهونين وصيدا مع شريط من الأرض من القدس يخترق اللد وينتهي عند يافا فضلاً عن الناصرة وغرب الجليل، على أن يكون الحرم بما حواه من الصخرة والمسجد الأقصى بأيدي المسلمين(129).

    وهكذا استولى الفرنج على بيت المقدس الأمر الذي أثار غضب المسلمين «فاشتد البكاء وعظم الصراخ والعويل وأقيمت المآتم وعظم على أهل الإسلام هذا البلاء، وقال الوعاظ والعلماء: يا خجلة ملوك المسلمين لمثل هذه الحادثة. واشتد الإنكار على الملك الكامل وحقد أهل دمشق عليه ومن معه، وكثرت الشناعات عليه في سائر الأقطار»(130)، وقال ابن كثير «فعظم ذلك على المسلمين جداً، وحصل وهن شديد، وإرجاف عظيم»(131).

    واستمر الصراع بين أبناء البيت الأيوبي، غير أن الناصر داود صاحب الأردن انتهز فرصة انتهاء مدة صلح يافا وتحصين الفرنج بيت المقدس بخلاف الشروط فاستولى على القدس وطرد منها الفرنج 6 جمادى الأولى 637هـ - 7 ديسمبر 1239 ولكن الصالح إسماعيل صاحب دمشق سلمها لهم 638هـ-1240م!! بعد أن طلب مساعدتهم له ضد صاحب مصر الصالح نجم الدين أيوب، هذا فضلاً عن تسليمهم عسقلان وقلعة الشقيف ونهر الموجب وأعمالها وقلعة صفد وأعمالها ومناصفة صيدا وطبرية وأعمالهما وجبل عامل وسائر بلاد الساحل... وقد أثار هذا التصرف سخط المسلمين الذين «أكثروا من التشنيع على الملك الصالح إسماعيل» وهكذا عادت القدس مرة أخرى للفرنج.

    وعندما حشد الصالح إسماعيل قواته لينضم إلى حلفائه الفرنج عند غزة لقتال الصالح أيوب رفض جند الشام محالفة الفرنج ضد إخوانهم فانحازوا إلى جند مصر وهزموا الفرنج هزيمة كبيرة، ولكن الصالح أيوب صالحهم 638هـ -1240م واستقرت سيطرتهم على بيت المقدس وما أعطاهم إياه الصالح إسماعيل(132).

    ومرة أخرى دخل أبناء البيت الأيوبي في الصراع وظلت القدس والأرض المقدسة ورقة يلعبون بها في تهافتهم على السلطة والنفوذ. فقد عرض الصالح إسماعيل مرة أخرى على الفرنج في عكا التحالف مقابل أن يسيطروا على القدس سيطرة تامة بما في ذلك الصخرة والمسجد الأقصى، وانضم إليه في ذلك الناصر داود، وفي الوقت نفسه عرض الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر على الصليبيين أنفسهم نفس العرض مقابل التحالف معهم(133)!!!

    واختار الفرنج التحالف مع الصالح إسماعيل الذي شرع في غزو مصر بمساعدة حليفه الناصر داود والمنصور إبراهيم ملك حمص إلى جانب الفرنج. واستعان الصالح نجم الدين أيوب بالخوارزمية الذين جاءوا لمساعدته في قوة من عشرة آلاف مقاتل في طريقها إليه بالاستيلاء على طبرية ونابلس، اقتحمت بيت المقدس في 17 يوليو واستعادت بيت المقدس بشكل كامل إلى حظيرة الإسلام 642هـ - 23 أغسطس 1244م(134). وبذلك عادت بيت المقدس نهائياً إلى أيدي المسلمين، وظلت تحتفظ بهويتها الإسلامية حتى دخلها الإنجليز في 10 ديسمبر 1917.

    ثم إن الخوارزمية اتجهوا لمساعدة الصالح أيوب ضد الصالح إسماعيل وحلفائه، ووقعت معركة غزة الثانية (قرب غزة في موقع اسمه هِرْبيا) بين هذه القوى في 12 جمادى الأولى 642هـ-17 أكتوبر 1244 وانتهت بهزيمة ساحقة للصالح إسماعيل والفرنج وقدِّر فيها عدد قتلى الفرنج بأكثر من ثلاثين ألفاً عدا ثمانمائة أسير سيقوا إلى مصر، وكانت هذه المعركة هي أخطر ضربة تلقاها الصليبيون بعد معركة حطين، وتعتبر من المعارك الفاصلة في تاريخ فلسطين. إذ ضعف الصليبيون بعدها ولم يتمكنوا من التوسع وسعوا إلى الاحتفاظ بما لديهم(135).

    ثم قام الصالح أيوب بالسيطرة على القدس والخليل وبيت جبرين والأغوار ودمشق سنة 642هـ- 1245م، وعاقب الفرنج فسيطر على قلعة طبرية واقتحم عسقلان وبذلك انحسرت حدود مملكة الفرنج إلى أبواب يافا سنة 644هـ-1247م. ثم داهمت مصر الحملة الصليبية السابعة بزعامة لويس التاسع ملك فرنسا 646هـ-1249م والتي انتهت بالفشل وأسر لويس التاسع ثمَّ إطلاق سراحه وذهابه إلى عكا(136). ثم ما لبث الحكم الأيوبي لمصر أن انتهى بدخولها تحت حكم المماليك 647هـ - 1250م، وبدأت صفحة جديدة من صفحات الجهاد ضد المغول والصليبيين(137).

    وهكذا فإن بيت المقدس والأرض المقدسة في السنوات الخمسين التي تلت حكم صلاح الدين الأيوبي كانت عرضة لحالة من عدم الاستقرار خصوصاً في النصف الثاني منها، واستخدمت أكثر من مرة في مساومات عدد من حكام البيت الأيوبي مع الفرنج مقابل عقد تحالفات معينة، وافتقد هؤلاء مصداقيتهم الجهادية الإسلامية، حتى إن قتالهم للفرنج لم يكن يعبر بالضرورة عن التزامهم الإسلامي بقدر حرصهم على الحكم والنفوذ والمصالح الشخصية، ولذلك كان القتال مع الفرنج يعبر إلى حد كبير عن موازين القوى المادية بين هذه الأطراف، وهو ما جعل القدس وأجزاء من فلسطين
    romio
    romio
    شخصية هامة
    شخصية هامة


    عدد المساهمات : 5738

    العمر : 33

    فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 Empty رد: فلسطين في التاريخ الاسلامي 2

    مُساهمة من طرف romio الثلاثاء مارس 16, 2010 11:56 am

    مشكور على المعلومات
    فراشة الحب
    فراشة الحب
    المراقب العام
    المراقب العام


    عدد المساهمات : 4710

    العمر : 31

    فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 Empty رد: فلسطين في التاريخ الاسلامي 2

    مُساهمة من طرف فراشة الحب السبت مايو 08, 2010 2:07 am

    مشكور اخي على مجهودك وجزاك الله كل خير
    فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 653628
    remoo_memoo
    remoo_memoo
    المراقب العام
    المراقب العام


    عدد المساهمات : 4891

    العمر : 33

    فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 Empty رد: فلسطين في التاريخ الاسلامي 2

    مُساهمة من طرف remoo_memoo الأحد ديسمبر 05, 2010 4:14 am

    باركـــ الله فيك
    على موضوعكـــ
    الرائـــــــع

    بنتظار جديدك
    دمتــــــــــــ بالسعادة مدى الحياة ـــــ
    فلسطيني وافتخر
    فلسطيني وافتخر
    المراقب العام
    المراقب العام


    عدد المساهمات : 5352

    العمر : 32

    فلسطين في التاريخ الاسلامي 2 Empty رد: فلسطين في التاريخ الاسلامي 2

    مُساهمة من طرف فلسطيني وافتخر الخميس مارس 03, 2011 4:19 am

    مشكور علي المعلومات

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 9:13 am