مكانـة الأقصــى في الإســلام
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
شغلت منذ زمن بقضية التأصيل أي إرجاع كل شيء وكل فعل إلى أصله الذي بدأ منه أو يجب أن يبدأ منه، ومن خلال رصدي لبعض سلوك المسلمين اكتشفت أن الخلل في سلوكهم وعدم الإتقان في أعمالهم التي يؤدونها راجع في حقيقته إلى عدم التأصيل وإلى شعورهم بأنهم يؤدون أعمالهم بما يساوي ما يقبضون من أجر، فتسمع بعضهم يقول عندما تنتقد تهاونه في أداء عمله، أو عدم إتقانه هذا العمل المنوط به الذي يتقاضى عليه راتباً شهرياً يقول لك: «أنا أعمل على قدر الراتب!» وهي مقولة أو شعار انتشر بين العاملين المقصرين كانتشار النار في الهشيم كما يقولون.
وحتى لو اتفقنا معه في هذه المقولة وذهبنا ندقق ونحسب الوقت الفعلي الذي يقضيه في عمله سنجد، ويا هول ما سنجد، أن معظمه يضيع في المحادثات الهاتفية أو في شرب الشاي أو الخروج من المكتب إلى المكان المعد للمدخنين ليدخن سيجارته لأنه مدمن ولا يستطيع أن يصبر حتى ينتهي من عمله، أقول: لو دققنا في مقدار الوقت الذي يقضيه الموظف أو بعض الموظفين لوجدنا أنه مهدور وضائع فيما لا طائل منه. من هنا برزت أهمية تأصيل سلوكنا الأخلاقي والوظيفي مما يجعلنا نخلص ونتقن أعمالنا حتى لو كان الأجر زهيداً كما يدعي البعض على اعتبار أن هناك مقابلاً غير الأجر المادي نتقاضاه من خالقنا عز وجل ألا وهو البركة في القليل والتوفيق في الأهل والولد وراحة النفس وطمأنينة القلب.
كان لابد من هذه المقدمة الطويلة لأخلص إلى القضية التي أنا بصدد الحديث عنها وهي قضية فلسطين والمسجد الأقصى والمحاولات الدائبة والمستمرة من اليهود لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه. وبداية أقول: إن هذه القضية لو كانت مؤصلة تأصيلاً إسلامياً لما قال ياسر عرفات: إنه حين ينتصر ويقيم الدولة الفلسطينية سوف يحرص على أن تكون دولة علمانية، وفي المقابل نجد أن اليهود حين أقاموا دولتهم اللقيطة أقاموها على أساس الدين وأطلقوا عليها اسم نبي كريم من الأنبياء وهو يعقوب (إسرائيل) عليه السلام، هذا هو الفرق في التعامل مع القضية الفلسطينية عند اليهود والعرب.
ولو كانت القضية مؤصلة تأصيلا إسلامياً لما فرط الحكام العرب في شبر من الأرض الفلسطينية المباركة وهذا يعيدنا إلى أصل القضية.
(1) بداية سجل القرآن الكريم أقدم وثيقة ملكية لفلسطين حين قال تعالى: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير« (الإسراء/1). هذه الآية المباركة التي نتلوها في الصلاة وعند قراءة القرآن الكريم تؤكد بما لا يدع مجالا لأدنى شك أن الله تعالى بهذه الآية الجليلة استأمن المسلمين على بيته المقدس لأنهم يعترفون بجميع أنبياء الله ورسله على رسولنا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، كما أنهم - أي المسلمين - يؤمنون بجميع الكتب المنزلة قبل أن ينالها التحريف والتزييف. لقد وضع الحق تبارك وتعالى بهذه الوثيقة الربانية مسئولية رعاية هذا البيت وحمايته من عبث العابثين، وانحراف المنحرفين، وصارت هذه الوثيقة آية تتلى في اليوم والليلة مذكرة المسلمين بمسئوليتهم تجاه الأقصى وما حوله.
(2) كان الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يأمرهم عز وجل بالتوجه إلى البيت الحرام، وكان وجود الأصنام في البيت الحرام سبباً قوياً لانصراف المسلمين في صلاتهم تجاه بيت المقدس حتى أذن لهم سبحانه بالتوجه إلى المسجد الحرام، روى الطبري في تاريخه عن قتادة قال: «كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله، صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ثم وُجه بعد ذلك نحو الكعبة (البيت الحرام)«.
(3) ومن مكانة الأقصى في الإسلام وفضله على باقي المساجد في الأرض بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي، أن الصلاة فيه تعد 500 صلاة فيما سواه، قال صلى الله عليه وسلم: «الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة» (حديث حسن رواه الطبراني).
(4) ويرقى المسجد الأقصى ليكون أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها للحديث الذي رواه البخاري ومسلم وابن ماجة وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى». وهذا الحديث فوق أنه يؤكد مكانة المسجد الأقصى في الإسلام، فإنه يؤكد أيضاً أهميته للمسلمين ومدى مسئوليتهم عنه حماية ورعاية وصيانة، وإنه لا يجوز لهم شرعاً التفريط فيه، أو التهاون في حمايته واسترجاعه ممن سلبه منهم.
(5) وفي مجال التأصيل قام الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالسفر إلى فلسطين عندما اشترط أهلها أن يتسلم مفاتيحها أمير المؤمنين بنفسه وكان لهم ما أرادوا، وهذه هي المدينة الوحيدة في عهد الراشدين التي تولى خليفة بنفسه تسلم مفاتيحها. (فلسطين دراسات منهجية في القضية الفلسطينية/ د.محسن محمد صالح/ ص22). وقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكتابة العهدة العمرية التي أمن فيها النصارى على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها (نفس المرجع السابق/ ص22).
(6) أما القائد المسلم الملهم صلاح الدين الأيوبي فقد آل على نفسه ألا يبتسم حتى يحرر بيت المقدس من سيطرة الصليبيين وكان له ما أراد في عام 583هـ (4 يوليو 1187م) وتم فتح بيت المقدس في 27 رجب من عام 573هـ (2 أكتوبر 1187م) بعد استعمار صليبي دام 88 عاماً. ولقد استمر الحكم الإسلامي لفلسطين نحو من 1200 سنة حتى عام 1917م وهو أطول فترة تاريخية مقارنة بأي حكم آخر (المرجع السابق/ ص25).
(7) أما من نزل من الصحابة والتابعين والفقهاء فهم كثير نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وأسامة بن زيد بن حارثة، ودحية الكلبي، وأوس بن الصامات، هذا من الصحابة، أما التابعون فمنهم: رجاء بن حيوة الكندي وهو من مواليد بيسان (وهو الذي أشار على سليمان بن عبدالملك تولية عمر بن عبدالعزيز الخلافة) ومنهم أيضاً عبادة بن نسي الكندي، ومالك بن دينار والأوزاعي، أما من الفقهاء والأئمة من الذين عاشوا فيه أو زاروه، فمنهم: إبراهيم بن أدهم والليث بن سعد (فقيه مصر) وأبوبكر الطرطوشي، وأبوبكر الجرجاني، وابن قدامة المقدسي. وممن ينتسبون إلى فلسطين: فاتح الأندلس موسى بن نصير اللخمي، وأول علماء الكيمياء في التاريخ الإسلامي خالد بن يزيد الأموي. (المرجع السابق/ ص 25،26). هذا بإيجاز شديد مكانة الأقصى في الإسلام ومسئولية المسلمين عنه في القديم والحديث.