طفلتي الصغيرة اسمها مرح
تجيء كل ليلة
تحمل بين يديها مجلد القصص
إحك لي قصة جديدة
تطلب مني ..
ووجهها يشع بالفرح .
*
ليلة الأمس ..
جاءت كعادتها مرح
رقيقة الحواس والمعاني والأرب
عيناها كما أشتهيهما
تشعان الألق .
إحْكِ حكاية من مجلد الحِكَمْ
قالت مرح :
صبراً بنيتي ..
قلت لها
ووجهي محتقن بالحزن والأرق .
قصة الليلة ..
لن تكون من كتابك الشهي
ولم تسكن دفتيه
سأحكي قصة جديدة
من واقع البلد .
تحدث منذ قرون ..
بلا بداية
ولا نهاية
بها الأفق اكتحل .
سأروي قصة شهيدنا اليومي
أحمد البطل ..
شهـ ..
انتظر ..
قاطعتني مرح
لا تكمل الكلام
أنا أعرف العنوان
قالت مرح :
أليس هو الشيخ أحمد
الأبيض .. القمر .
من رأينا صورته
على شاشة التلفاز
على الجدران
أليس هو .. ياسين ..!
وهذا الرصاص كالزغاريد
في عرسه انطلق .
*
صدقت بنيتي
هو والله أحمد
ما كذبت الخبر
كان فوق كرسيه مقعداً
مقعداً ..!
مرة أخرى قاطعتني مرح
ما مقعد ..؟
سألتني مرح ..
أجبتها والسكون يلف الكون بالبكاء والعبر
هو لا يستطيع الحراك
ولا القيام
في مكانه منذ عقود ثبت .
لم تهزه الأوجاع
لم يعوقه الشلل .
الإيمان في صدره ..
رسخ .
*
عاش عمره العجب
في أنين
يتعلم العلوم
ويعلم البشر .
يوجه الكتائب ويصنع الخبر .
*
كان فتىً عندما ضاع الوطن
وكان شاباً عندما أبتلي بالشلل
لكن رأسه أقوى من العلل
وعقله ظل هادرا في العمل .
وأكمل اليهود اغتصاب الوطن
لم يرض به الشيخ أحمد
كما لم يقبله منا أحد .
هنا ..
وفي شتات دروبنا
وفي كل الدول
وعند كل مفترق .
جميعنا ضد الاحتلال
ضد الظلم
ولم نخذل الوطن .
*
يا بنيتي .
المقاومة أساسٌ في شريعة الحياة
بدونها ..؟
يقتلنا الفقر ويقهرنا المرض .
يغيبنا الجهل ويغلبنا الغزاة من كل الملل .
بقينا حاضرين بالمقاومة
\" لا يحك جلد غير ظفرك \"
رفضنا النيابة
أعلنا القيامة
وأعلينا راية الجهاد والمقاومة
فلسطين لنا ..
أمة وحدنا ..
رغم المسافات والمحن
رغم الجراح والألم
الموت لم يقهرنا
ولم نفقد الأمل .
*
وشيخنا يعي جدية العمل
أعاد الاعتبار إلى سواعدنا ،
ضمائرنا ،
وإلى القتال في الحال
بلا وهن .
هكذا قالها الشيخ أحمد
امتطى خيله
وانطلق .
*
لا تعجبي بنيتي كيف انطلق
وهو لا يستطيع حمل الحجر
رغم ذلك انطلق
رفرف بجناحيه
لم نرهما
حلق في الفضاء
ينشر دعوة المقاومة
وبَشَّر البشر .
الجهاد هو القدر
والاستشهاد نصر مبين لمن اعتبر .
*
وتجاوز شيخنا في دعوته
حواجز الجنود
والسجون
وأسيجة الحدود
وخطوط الخطر
وانطلق ..
حقوله الخضراء ترعرع زرعها
جادت بالثمر .
وصُبَّ الخوفُ على اليهود ..
صواعقاً ورعباً وشلل .
وتجمد لديهم الزمن
الموت يرونه قادما كالبرق يخطف المقل .
والموت أنذرهم به ..
أحمد البطل .
*
لا مفر ..
هو القتال بنيتي خيارنا ..
جهادنا مقاومة
ومقاومتنا عدونا شرف .
لا نَرْهَب أحد
لا نُرْهِب أحد .
عدونا فقط واضح المعالم
قلب الهدف ..
ليخرجوا من بلادنا
تجاوزوا حدودنا
حاربوا وجودنا
نفوا أجيالنا
وسفكوا دماءنا عند السحر .
في كل وقت نراهم يقتلون ..
طفلاً .. امرأة .. شيخاً ..
ويقلعون الشجر .
ويهدمون ما بنينا من الحجر .
تحميهم طائرات ودبابات وحصون محصنة
والذخائر المحرمة
وتعجبين بنيتي ..!
هم يخافون صمتنا ..
يخافون ظلنا ..
ويخافون الحصاة وخيال الحجر .
*
والشيخ أحمد رأسه كالحجر
جلمود صخر من مضر ..
ظنوا أنهم لو حطموه
تستسلم الحجارة في شوارعنا
وتجف الأرض
وينقطع المطر .
وقرروا قتل البشر ..
من يحبو ومن يمشي على ثلاث
والجنين في رحم أمه
وشبابنا النضر .
نحن الفلسطينيون ..
من نحمل ومن نرمي الحجر .
هو لا يستطيع أن يحرك ساكناً
فوق كرسيه استقر .
تدخلت مرح ..
أنا فداؤه ..
أضاءت في عقلها إشارة حمراء
تلهب العروق والفكر .
واستنكرت ..
ليقتلونني .. نعم ..
فأنا الأمل ..
وأنا الفداء والعماد
ووريثة الشيخ بلا كلل .
..
بنيتي .. لا تعجبي
المقصود جميعنا
وقرآننا الهدف
احذري الغياب
فإسلامنا إيمان قلب
يصدقه العمل .
دين سلم وصلاح للملل .
وشيخنا داعية
حوله تحلق الطلاب
ينهلون من فكره
من علمه
ومن الغضب .
أصبح مجمع الرجال والحيل
وأغارت طائراتهم في غرّ فجرنا
والشيخ خارج من مصلاه صائماً
يثقله المرض .
ويا عجب ..!
طائرة ..!
تواجه كرسياً جامداً
يحبس فوقه شيخنا المقعد
هذه رجولتهم ..!
فلينظر العالم لهم ..
البطولة في عرفهم أن يقتلوه غدراً ..
بالقذائف الموجهة .
فتتوا جسمه الفاني
وزعوه على حواصل الطير الصادحة
أطلقوا روحه من أسر الضجر
وعاد محلقاً شيخنا في الفضاء
بجناحي الصبر والإيمان ..
يخضبه دم الظفر .
ومع الشروق ذاع الخبر ..
اليهود اغتالوا
صاحب الرأس الأغر
ومعه رفقة من خير البشر .
مقدس جسمه
قدسه في سره
وسره ..
الله أكبر يا وطن
شامة على خد الوطن
هو شيخنا
آه يا وجع الوطن
يا وجع القلوب والسرور والمقل ,
*
حسبوا أنهم بقتله ينهون المقاومة
لم يصدق ظنهم ..
خاب منهم العمل
واندلع يا بنيتي في شوارعنا الغضب
وجوهنا غضب
سواعدنا غضب
خطواتنا غضب
وعم الغضب .. عم الغضب ..
وما الغضب ..!
بلهفة سألت مرح ..
وهل يعيد إلينا شيخنا ؟
هل يغني من قدر ؟
سألت مرح ..
مات شيخنا ..
ما معنى الغضب ؟
إنه الشيخ أحمد البطل ..
أجبتها ..
من أجله في الله نغضب
ومن أجل الوطن .
من أجل القدس والأقصى في الله نغضب
ومن أجل البشر
ونرضى بنيتي بالقضاء والقدر
ولا نرضى المهانة
ولا نطأطئ لمن كفر
نشعل الفتيل ، ونفجر الحذر ..
في قلوبنا غصة
لا يزيلها غير الانتقام
في العجل
وفي الأجل
وفي كل موقف للعز
سَطَّرَه البطل .
**