صورة:الطفل بائع الكعك في القدس القديمة
عقارب الساعة تشير إلى الرابعة فجرا.. تتعالى الطرقات العنيفة على الباب قبل أن يقتحمه عشرات الجنود المدججون بالسلاح مرتدين أقنعة سوداء بينما آخرون يحاصرون البيت من كل جانب.. في مشهد يلقي الرعب في قلوب أهل البيت الذي يهب عائله متسائلا في فزع عما يطلبه جنود الاحتلال في هذا الوقت.. فإذا بالإجابة: طفلك (…).
ففي ظاهرة بدأت تتسع رقعتها عمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية إلى تنفيذ حملة اعتقالات استهدفت أطفالا مقدسيين بين 9 و15 عاما، وإخضاعهم لتحقيق قاس يتضمن سبا وضربا وشبحا لساعات طويلة؛ بحجة “قذف مستوطنين بالحجارة”، قبل إجبارهم في النهاية على التوقيع على تعهدات مالية وإطلاق سراحهم.
وبلغ عدد الأطفال المقدسيين الذين عايشوا تجربة الاعتقال القاسية خلال الأشهر الأربعة الأخيرة فقط نحو 60 طفلا معظمهم من حي سلوان بالمدينة المحتلة، بحسب فخري أبو ذياب، عضو لجنة الدفاع عن الحي، الذي يؤكد في تصريح لـ”إسلام أون لاين.نت” أن “اعتقال الأطفال هو محاولة لتضييق الخناق على أهالي سلوان لإجبارهم على ترك بيوتهم، ليتمكن الاحتلال ومستوطنوه من الاستمرار في مخطط تهويد الحي”.
وفي الأسطر التالية شهادات بعض هؤلاء الأطفال التي يروونها بأنفسهم:
أحمد صيام.. ابن الـ”12″ في المسكوبية
طالع أيضا:
“كنا جميعا نائمين بالبيت، وإذا بصوت طرقات شديدة على الباب قبيل الفجر، فنهضنا فزعين ونظرنا من النافذة فإذا بنحو 30 جنديا يحاصرون البيت، وطلبوا من أبي النزول إليهم، وبعد أن سألهم إذا ما كان لديهم أمر قضائي باقتحام البيت وأجابوه بالنفي، هددوه إذا لم ينزل إليهم، فاضطر للنزول وسط بكاء إخوتي الصغار وصراخهم، حيث اعتقدنا أنهم أتوا لهدم البيت أو طردنا منه”.
“فوجئ أبي بسؤال رجال الاستخبارات عن أطفاله الصغار، ثم أخبروه أنهم يريدون اعتقالي، ونفذوا ذلك بالفعل دون أن يبالوا باحتجاجه، حيث قيدوا يدي وألقوني في سيارة عسكرية نقلتني إلى مركز تحقيق المسكوبية في القدس”.
“بعد أن وصلنا المسكوبية فكوا قيودي وأدخلوني غرفة تحقيق، وأجلسوني على الأرض وأمروني بوضع يدي على ركبتي، حيث راح بعض المحققين والجنود يضربونني على ظهري”.
“بعد وقت من هذا الوضع المؤلم طلبت من أحدهم الذهاب إلى الحمام فما كان منه إلا أن ضربني على أنفي فسال منه الدم، ولم يسمح لي بالذهاب.. كما قام محقق آخر بتسخين قطع من الجبنة ووضعها على يدي أكثر من مرة، كما وضعوني في غرفة صغيرة جدا ومليئة بدخان السجائر حتى عانيت من الاختناق، فضلا عن الشبح (الجلوس على مقعد بلا مساند، أو الوقوف في وضع ثابت) لساعات طويلة”.
“في النهاية طلبوا مني التوقيع على ورقة لا أعلم فحواها، ثم اتصلوا بوالدي ودفعوه للتوقيع على تعهد يقضي بدفع مبلغ 5 آلاف شيكل (نحو 1500 دولار) في حال مشاركتي في إلقاء حجارة على المستوطنين أو جنود الاحتلال”.
3 اعتقالات لـ”أحمد أبو سنينه”
“عمري 13 عاما.. اعتقلت 3 مرات، أولاها كانت قبل نحو 7 شهور، حيث حضروا في الرابعة فجرا، واعتقلوني وبقيت محتجزا لمدة يوم كامل، حقق معي فيه وتعرضت للضرب بتهمة رشق الحجارة”.
“وقبل شهر تقريبا اتصلت الشرطة بأبي وطلبت منه إحضاري لمركز التحقيق، حيث حققوا معي لمدة 3 ساعات وأفرجوا عني، وقبل 3 أيام فقط حضروا للبيت في ساعات الليل وحطموا أثاثه وطلبوا من والدي أيضا إحضاري لمركز التحقيق، واستجوبوني وجعلوا أبي يوقع على تعهد بدفع 3 آلاف شيكل كغرامة إذا قمت برشق الحجارة على الجنود”.
محمود غيث.. اعتقال وإبعاد
“قبل عام تقريبا (كان عمره 13 عاما) كنت ألعب الاستغماية (لعبة الاختباء) أنا ولؤي الرجبي ومحمد ومحمود وباسل دويك وغيرهم، وكان باب بيت المستوطنين مفتوحا فذهبت لأختبئ أسفله، فجاء الحارس وضربني مرتين على أرجلي، كما كان يقوم حراس بيوت المستوطنين بمنعنا من اللعب بالكرة ويأخذون الطابة (الكرة) منا ويلقونها في الوادي”.
“والمشكلة أنه لا يوجد مكان آخر نلعب فيه نحن أطفال سلوان، وهذا الوضع لا يعجب المستوطنين، وبالتحديد الحراس الذين يتهمون أطفال الحي دائما بإلقاء الحجارة، وهذا ليس صحيحا، فهم لا يرغبون برؤيتنا نلهو ونلعب، والشرطة دائما تصدق ادعاءاتهم، ولذلك هناك الكثير من أولاد الحي يتم اعتقالهم، والتهمة دائما رشق الحجارة على بيوت المستوطنين”.
“ونتيجة لكذب المستوطنين تعرضت قبل شهرين لتجربة قاسية، وهي اعتقالي بحجة أنني أرشق بيت المستوطنين بالحجارة، ففي الساعة 3 فجرا تم طرق باب بيتنا من قبل قوة عسكرية برفقة رجل استخبارات يدعى رامي كما قدم نفسه واعتقلوني، ورفض رامي اقتراح والدي عليه بأن يسلمني والدي لهم في المسكوبية صباحا”.
“كلبشوا (كبلوا) يدي إلى الخلف، واقتادوني إلى سيارة عسكرية، حيث كان هناك أولاد تم اعتقالهم معي، منهم محمود دويك، ومحمود سرحان، وممدوح قراعين، وغيرهم.. ووضعوا كل ولد منا في سيارة منفصلة”.
“وبعد الوصول إلى سجن المسكوبية وضعنا في غرف منفصلة، بعد أن تم فك الكلبشات (القيود)، وكان هناك محقق يدعى موشيه كما قدم نفسه، وسألني لماذا أنت هنا؟ فقلت له: لا أعرف اسأل الكابتن رامي الذي اعتقلني، لكنه قال إنني هنا لأني أرشق بيت المستوطنين في الحي الذي أقيم فيه بالحجارة، وعندما أنكرت ذلك ضربني موشيه بالبوكس (بقبضته) على معدتي وظهري وبكف اليد على وجهي”.
“طلبت الذهاب للحمام عدة مرات ولكن موشيه رفض، وكنت أثناء التحقيق معي أشعر بالبرد الشديد وكذلك بالخوف الشديد من المحقق موشيه، وبعد أن شعرت بالإعياء ووجع شديد في ظهري وبطني ورأسي اعترفت أني ألقيت حجرين فقط في الهواء وليس على بيت المستوطنين، لكني أنكرت ذلك أما محكمة الصلح، فأعادوني مرة أخرى للمسكوبية، ومكثت في غرفة رقم خمسة يوما واحدا، وبعدها في غرفة رقم أربعة 3 أيام، وأطلق سراحي بكفالة 10 آلاف شيكل غير مدفوعة، وبعد الإفراج ذهبت للطبيب وحقنني بإبرة لتخفيف الألم، وصرت لا أنام جيدا قلقا من أن يتم اعتقالي مرة أخرى”.
“وصحب قرار الكفالة قرار بإبعادي عن مكان سكني لمدة شهر كامل وحبسي في بيت خالي ببلدة بيت حنينا، ولكن في عيد الأضحى الماضي سمح لي بالعودة لبيتي في سلوان لمدة 4 أيام فقط، وفي يوم 13/1/2010 كان لي جلسة في المحكمة، حيث قضت بتمديد الحبس البيتي في بيتي بسلوان لمدة عشرة أيام فقط، ولازلت بانتظار جلسة أخرى يوم 21 أبريل”.
لؤي الرجبي.. من الصف للمعتقل
“أدرس بالصف السابع (14 عاما) في مدرسة دار الأيتام بحي الثوري، وقد اعتقلت مرتين من داخل الصف، ويبلغ عدد الاعتقالات التي تعرضت لها سبع مرات، وفي كل مرة يتم توجيه التهمة ذاتها: رشق بيت المستوطنين بالحجارة!”.
“والقصة تتلخص في أنه كلما خرجنا للعب بالحارة قام حرس المستوطنين بمنعنا من ذلك، ولا أعرف لماذا؟ ودائما تحدث ملاسنة أو مشكلة مع المستوطنين يتبعها اعتقال عدد من الأولاد، أما أنا ففي يوم السبت السابق لاعتقالي الأخير كنت ألعب بالطابة مع أولاد عمي، فوقعت داخل بيت المستوطنين، فأخرجها الحارس ولعب معنا، ولكن ذلك لم يدم طويلا، حيث استشاط غضبا عندما لمست الكرة يده، واتصل بالشرطة، وفي ثاني يوم تم اعتقالي من البيت”.
“في تمام الساعة الرابعة والنصف فجر يوم الأحد 10-1-2010 سمعنا طرقا على باب البيت، ففتح أخي فراس (22 عاما)، وكانت هناك قوة عسكرية مؤلفة من 20 إلى30 جنديا من حرس الحدود ورجلي استخبارات سألا عني، وكنت لا أزال نائما فأيقظني الأهل، وارتديت ملابسي بناء على طلب رجلي الاستخبارات، وتم اقتيادي إلى سيارة عسكرية أقلتني إلى المسكوبية، ووضعوني في غرفة صغيرة بها مكتب وكرسي خشبي، وتم كلبشة يدي بالحديد، وشبحي إلى الحائط واقفا لمدة ثلاث ساعات، حيث كان كل من يمر من خلفي يضربني على رقبتي”.
“حقق معي في البداية وأنا مشبوح 3 رجال ضخام ملثمين يشبهون المستعربين، رفضوا ذهابي للحمام أو منحي طعاما، وهددوني بالضرب إذا لم أعترف بأني طبشت (ألقيت) حجارة على بيت المستوطنين الذي استولوا عليه قبل سنوات، بعدها نقلت لغرفة أصغر أوقفوني أمام مكتبها الوحيد مقيدا”.
“أخبرني المحقق أن اسمه شادي، وقد ضربني بالبوكس عندما أنكرت التهمة التي وجهها لي وسال الدم من أنفي، ورسم شادي دراجة على الجدار وطلب مني أن أركبها، فقلت له: كيف ذلك؟ أنا لا أعرف.. فقام بضربي على رأسي ووجهي، ثم دخل رجلان آخران وراح ثلاثتهم يضربوني بأيديهم وأرجلهم في كل مكان من جسدي، ورافق ذلك سبي وسب الذات الإلهية، بعدها طلب مني شادي التوقيع على أنه لم يضربني أحد وكانت الورقة باللغة العبرية فرفضت فعاد لضربي”.
“وفي محكمة (الصلح) أنكرت التهمة فيما اعترف أولاد آخرون وأطلق سراحهم بكفالة، بينما تم تمديد حبسي لمدة أسبوع، وقبل إطلاق سراحي بيوم طلبنا طعاما فانهال السجانون علينا بالضرب، وبعدها بساعة أحضروا لنا كوبا من الشيكولاتة وقرص جبنة مثلثات وخبزا”.
“وبعد انقضاء الأسبوع حكمت المحكمة بإطلاقي مقابل دفع مبلغ خمسة آلاف شيكل، ولكن أهلي رفضوا ذلك، فتم تخفيض المبلغ إلى ألفي شيكل وأخيرا ألف شيكل غير مدفوعة، وأذكر أن القاضية كانت قد احتجت على عملية اعتقالي؛ لأنه لم يكن هناك أمر اعتقال”.
معتقل بلا “بطاقة هوية”
“اسمي محمد دويك (12 عاما).. لم أعد أحب اللعب بالطابة؛ لأن ذلك سيعرضني للاعتقال والضرب مرة أخرى من قبل الاستخبارات التي تعتقل كل أولاد الحارة الذين يلعبون بالطابة في الحوش الذي يقع فيه بيت المستوطنين، كما حدث معي ومع أخوي إلياس وياسر”.
“أذكر أنه ما بين الساعة 4:30 – 5 صباحا في شهر 11/2009 جاء مسئول المنطقة كابتد جاي ومعه 5 من الاستخبارات و4 من رجال الأمن، وطلبوا من أبي بطاقة هويتي فأخبرهم أني لا أملك بطاقة نظرا لصغر سني، فتعجبوا من ذلك، لكن كان معهم بالفعل أمر اعتقال باسمي”.
“وفي المسكوبية حيث نقلت مقيدا راح يحقق معي شخص يدعى هشام، وقال لي إنني متهم برشق الحجارة على عمارة مراغة، والتي استولى عليها المستوطنون منذ زمن، فقلت له: لا.. لم أفعل، فهددني بأنه سينسفني إذا لم أعترف، وقال لي إنه سيخرج لدقيقتين ويعود ليسجل اعترافي، وقد خرج عدة مرات وعاد، ولكني لم أعترف”.
“خلال ذلك سمعت صوت صديقي محمد شويكي يبكي في الغرفة المجاورة، والمحقق يصرخ عليه فشعرت بخوف شديد، وركلني هشام ثلاث مرات، فطلبت منه أن يحضر المصحف لأحلف عليه أني لم أرشق حجارة، ولكنه قال لي إنه لا يعترف بالقرآن”.
“بعدها استدعوا أبي، وأخذوا بصماتي وقاموا بتصويري، وطلب هشام من والدي التوقيع على ورقة إطلاق سراحي”.