من طرف رقيه الأحد أبريل 11, 2010 1:08 pm
(حافظ إبراهيم) شاعر النيل،
توفي سنة 1932،
فرثاه شوقي بهذه
القصيدة.
============
قــد كـنتُ
أُوثـرُ أَن تقـولَ رِثـائي
يـا مُنْصِـفَ
المـوْتى مـن الأَحيـاءِ
لكـنْ سـبَقْتَ,
وكـلُّ طـولِ سـلامةٍ
قـــدرٌ, وكــلٌ
مَنِيَّــةٍ بقضــاءِ
الحـقُّ نـادَى
فاسْـتجَبْتَ, ولـم تَـزلْ
بــالحقِّ
تحــفِلُ عنـدَ كـلِّ نِـداءِ
وأَتيْـت
صحـراءَ الإِمـامِ تـذوب من
طُــولِ
الحـنينِ لسـاكن الصحـراءِ
فلقيــت فـي
الـدار الإِمـامَ محـمدً
ا فــي
زُمْــرَةِ الأَبــرارِ والحُنفـاءِ
أَثَــرُ
النعيــم عـلى كـريمِ جبينـه
ومراشـــدُ التفســـيرِ
والإِفتــاءِ
فشــكوتما
الشَّـوْقَ القـديمَ, وذُقْتُمـا
طِيــبَ
التـداني بعـدَ طـولِ تنـائي
إِنْ كــانت
الأُولــى منـازلَ فُرْقـةٍ
فالســمْحَةُ
الأُخــرى ديــارُ لِقـاءِ
وودِدْتُ لـو
أَنـي فـداكَ مـن الـرَّدَى
والكـــاذبون
المُرْجِــفونَ فِــدائي
النــاطقونَ عـن
الضَّغينـةِ والهـوى
المُوغِــرُو
المَـوْتَى عـلى الأَحيـاءِ
مــن كــلّ
هَــدَّامٍ ويَبنـى مجـدَه
بكـــرائم
الأَنقــاضِ والأَشــلاءِ
مـا حَـطَّموكَ,
وإِنمـا بـكَ حُـطِّموا
مــن ذا
يُحـطِّم رَفْـرَف الجـوزاء?
اُنظُـره,
فـأَنت كـأَمْسِ شـأْنُكَ بـاذخٌ
فـي الشـرقِ,
واسْـمُكَ أَرفعُ الأَسماءِ
بــالأَمسِ,
قــد حَــلَّيْتَني بقصيـدةٍ
غــراءَ
تُحــفَظُ كــاليدِ البيضـاءِ
غِيـظ
الحَسُـودُ لهـا وقمـتُ بشـكرها
وكمــا علمــتَ
مَــوَدَّتي ووفـائي
فــي مَحــفلٍ
بَشَّـرْتُ آمـالي بـه
لمــا رَفعـتَ إِلـى
السـماءِ لِـوَائي
يــا مـانِحَ
السُّـودانِ شـرْخ شـبابِه
ووَلِيَّــهُ
فــي السّــلمِ والهيْجــاءِ
لـمَّــا نـزلْت
عـلى خمائلـه ثـوَى
نبْــعُ
البيــانِ وراءَ نَبْــع المـاءِ
قلَّدْتَــهُ
الســيفَ الحُسـامَ, وزدْتَـهُ
قلمًــا كصــدرِ
الصَّعْـدةِ السـمراءِ
قلـم جـرى
الحِـقبَ الطِّوالَ فما جرى
يومًـــا
بفاحشـــةٍ ولا بهجــاءِ
يكســو
بِمدْحَتِــه الكِــرامَ جلالـةً
ويُشَــيِّعُ
المــوْتى بحســنِ ثَنـاءِ
إِسْــكَنْدَرِيّةُ
يــا عــروسَ المــاء
وخميلـــةَ
الحكمــاءِ والشــعراءِ
نشــأَتْ
بشــاطِئِكِ الفنـونُ جميلـةً
وتَرعــرعَتْ
بســمائِك الزهــراءِ
جــاءَتْكِ
كــالطيرِ الكـريمِ غرائبًـا
فجمعتِهـــا
كـــالرَّبْوَةِ الغنَّـــاءِ
قـد جـمَّلوكِ,
فصِـرْتِ زِنْبَقَـةَ الثرَى
للوافـــــدين
ودُرَّةَ الدَّأْمــــاءِ
غرَسُـوا
رُبـاكِ عـلى خمـائلِ بـابلٍ
وبَنَـوْا
قصـورَك فـي سَـنا الحمراءِ
واســتحدثوا
طُرُقًـا مُنـوَّرة الهـدى
كسـبيلِ عيسـى
فـي فِجـاجِ المـاءِ
فخُــذي كـأَمِس
مـن الثقافـة زينـةً
وتجـــمَّلِي
بشـــبابكِ النُّجَبــاءِ
وتقلَّــدي
لغــةَ الكتــابِ; فإِنَّهــا
حَجَــرُ
البنــاءِ, وعُــدَّةُ الإِنشـاءِ
بَنَــتِ
الحضـارةَ مَـرَّتيْن, ومهَّـدتْ
للمُلــكِ فــي
بغــدادَ والفَيْحــاءِ
وسَــمَتْ
بقرطبـةٍ ومصـرَ, فحلَّتـا
بيـــن
الممـــالكِ ذِرْوَة العَليــاءِ
مـاذا حشـدتِ
مِـن الدمـوع "لحافظٍ"
وذخـرْتِ مـن
حـزنٍ لـه وبُكـاءِ?
ووجــدْتِ مِـن
وقـع البـلاءِ بفقـدهِ
إِن البــلاءَ
مَصــارِعُ العظمــاءِ
اللــهُ يشــهدُ
قــد وَفيْـتِ سـخيَّةً
بــالدَّمع
غــيرَ بَخيلــةِ الخطبـاءِ
وأَخـذتِ
قِسـطًا مـن مَناحـةِ مـاجدٍ
جَــمِّ
المــآثِرِ, طيِّــبِ الأَنبــاءِ
هَتــف
الـرُّواةُ الحـاضرون بشـعره
وحــدا بــه
البـادون فـي البَيْـداءِ
لبنــانُ
يَبكيـه, وتبكـي الضـادُ مـن
حَــلبٍ إِلـى
الفيْحـا إِلـى صَنْعـاءِ
عـربُ الوَفـاءِ
وَفـوْا بذمّـةِ شـاعرٍ
بــانى
الصفـوفِ, مُـؤلفِ الأَجـزاءِ
حـافظَ الفصحـى,
وحـارسَ مَجْدِهـا
وإِمــامَ
مَــنْ نجَـلتْ مـن البُلغـاءِ
مــا زِلْـتَ
تهتـفُ بـالقديم وفضلـهِ
حــتى حَــمَيْت
أَمانــةَ القُدمــاءِ
جــدّدت
أُســلوبَ (الوليدِ) ولفظَــه
وأَتيْــت
للدّنيــا بســحر (الطائي)
وجـريْت فـي
طلـبِ الجديدِ إِلى المدى
حــتى اقـترنْت
بصـاحب البُؤسـاءِ
مـاذا وراءَ
المـوت مـن سَلْوَى, ومن
دَعَـةٍ, ومـن
كـرَمٍ, ومـن إِغضاءِ?
اشـرحْ حقـائقَ
مـا رأَيْـت, ولم تزل
أَهــلاً
لِشــرْح حقــائِقِ الأشـياءِ
رُتـبُ
الشـجاعةِ فـي الرِّجـالِ جلائلٌ
وأَجَـــــلُّهُنَّ
شــــجاعةُ الآراءِ
كـم ضِقـتَ
ذَرْعًـا بالحيـاة وكيْدِهـا
وهتفــت
بالشــكوى مـن الضَّـراءِ
فهلُــمَّ
فـارِقْ يـأْسَ نفسِـك سـاعةً
واطلُـعْ عـلى
الـوادي شُـعاعَ رجاءِ
وأَشــرْ إِلـى
الدنيـا بوجـهٍ ضـاحكٍ
خُــلِقتْ
أَسِــرَّتُهُ مــن السَّــراءِ
يــا طالمــا
مَـلأَ النَّـدِيَّ بشاشـة
ً وهــدى
إِليــك حــوائجَ الفقـراءِ
اليــومَ
هـادنْت الحـوادِثَ; فـاطَّرِحْ
عِـبْءَ
السـنين, وأَلْـق عِـبْءَ الداءِ
خــلَّفْت فــي
الدنيـا بيانًـا خـالدًا
وتــركْت
أَجيــالاً مــن الأبنــاءِ
وغـدًا سـيذكرك
الزمـانُ, ولـم يَزلْ
للدِّهــرِ
إِنصــافٌ وحسـنُ جـزاءِ
---------------
ولد الهـدى فالكائنات ضياء= وفـم الزمان
تبـسم وثـناء
الروح
والملأ الملائك حوله =للدين والدنـيا به بشـراء
والعرش
يزهووالحظيرة تزدهي= والمنتهى والسدرة العـصماء
وحديقة
الفرقان ضاحكة الربا =بالتـرجمان شـذية غـناء
والوحي
يقطر سلسلا من سلسل=واللوح والقلم الرفيـع رواء
نظمت
أسامي الرسل فهي صحيفة =في اللوح واسم محمد طغراء
اسم
الجلالة في بديع حروفه =ألف هنالك واسم ( طه ) الباء
يا خير
من جاء الوجود تحية =من مرسلين الى الهدى بك جاؤوا
بيت
النبـين الذي لا يلتـقي =الا الحنـائف فيـه والحنـفاء
خير
الأبوة حازهم لـك آدم= دون الأنـام وأحرزت حـواء
هـم
أدركوا عز النبوة وانتهت= فيهـا اليـك العـزة القـعساء
خلقت
لبيتك وهو مخلوق لها= أن العظائـم كفـوها العـظماء
بك بشر
اللـه السماء فزينت= وتضوعت مسكا بـك الغـبراء
وبـدا
محـياك الذي قسماتـه= حـق وغرتـه هـدى وحـياء
وعليه من
نور النبوة رونـق =ومن الخـليل وهـديه سيـماء
أثنى
المسيح عليه خلف سمائ=ه وتهلـلت واهتـزت العـذراء
يوم يتيه
على الزمان صباحه= ومـساؤه بـمحمـد وضـاء
الحق
عالي الركن فيه مظفـر= في الملك لا يعلو عليه لـواء
ذعرت
عروش الظالمين فزلزلت= وعـلت على تيجاتهـم أصداء
والنار
خاوية الجوانب حـولهم= خمدت ذوائـبها وغاض الـماء
والآي
تـترى والخوارق جـمة= جـبريل رواح بـها غـداء
نعم
اليتيم بدت مخايل فـضله= واليتـيم رزق بعـضه وذكاء
في المهد
يستقى الحيا برجائه =وبـقصده تستـدفع البـأسـاء
بسوى
الأمانة في الصبا والصدق= لم يعرفـه أهل الصدق والأمـناء
يا من له
الأخلاق ما تهوى العلا= منهـا ومـا يتعـشق الكبـراء
لو لم
تقم دينا لقامت وحـدها =ديـنا تـضيء بـنوره الآنـاء
زانتك في
الخلق العظيم شـمائل =يغـرى بهـن ويـولع الكـرماء
والحسن
من كرم الوجـوه وخيره =مـا أوتـي القـواد والزعـماء
فاذا
سخوت بلغت بالجود المـدى= وفعـلت ما لا تفـعل الأنـواء
واذا
عفوت فـقادروا ومقـدرا =لا يستهـين بعـفوك الجـهلاء
واذا
غضبت فانـما هي غضبـة =في الحق لا ضغن ولا بغضاء
واذا
رضيت فذاك في مرضاته =ورضى الكثير تحـلم وريـاء
واذا
خطبـت فلـلمنابر هـزة= تعـرو النـدي ولـلقلوب بكاء
واذا
قضيـت فلا ارتياب كأنـما= جاء الخصوم من السماء قضاء
واذا
حميت الماء لم يورد ولو= أن القـياصر والملـوك طـماء
واذا
أجرت فأنت بيت اللـه لم =يـدخل عليه المستجـير عداء
واذا
ملكت النفس قمت بـبرها= ولو أن ما ملكت يداك الشاء
واذا
بنيت فخير زوج عشـرة =واذا ابتليـت فدونـك الآبـاء
واذا
صحبت رأى الوفاء مجسما =في بردك الأصحاب والخلطـاء
واذا
أخذت العهد أو أعطيتـه= فجميـع عهـدك ذمة ووفـاء
واذا
مشيت الى العدا فغضنـفر= واذا جـريـت فانـك النكـباء
وتمـد
حلمـك للسفيـه مداريـا= حتى يضيق بعـرضك السفـهاء
في كل
نفس من سطاك مهابـة= ولكـل نفـس في نداك رجـاء
والرأي
لم ينض المهنـد دونـه =كالسيف لم تـضرب بـه الآراء
يا أيـها
الأمـي حسـبك رتـبة= في العـلم أن دانـت بك العـلماء
الذكر
آية ربـك الكبـرى التـي= فيـها لباغـي المـعجزات غناء
صدر
البيان له اذا التقت اللغى= وتقـدم البلـغـاء والفـصحـاء
نسخت به
التوراة وهي وضيئة= وتخـلف الانجـيل وهو ذكاء
لما تمشي
في الحجاز حكيـمة =فـضت عكـاظ به وقام حـراء
أزري
بمنـطق أهلـه وبيانـهم =وحـي يقـصر دونـه البلغـاء
قد نال
بالهادي الكريم وبالهـدى= ما لم تـنل من سؤدد سيـناء
ديـن
يشـيد آيـة فـي آيـة لبـناتـه =السـورات والأضـواء
الحق فيه
هو الأساس وكيف لا =واللـه جـل جلالـه البـناء
أما
حديثك في العقول فـمشرح =والعـلم والحـكم الغـوالي الماء
هو صبغة
الفرقان نفحة قـدسه=والسيـن من سوراتـه والـراء
جرت
الفصاحة من ينابيع النهى =مـن دوحـة وتفـجر الانـشاء
في بحـره
للسابحـين به على= أدب الحـياة وعلمـها ارسـاء
يا أيها
المسرى به شرفـا الى= ما لا تنال الشـمس والجوزاء
يتساءلون
وأنت أطهـر هيـكل =بالروح أم بالهايـكل الاسـراء
بهما
سموت مطهرين كلاهـما= نـور وروحـانـية وبـهـاء
فضل عليك
لذي الجلال ومنه =واللـه يفـعل ما يرى ويشاء
تغشى
الغيوب من العوالم كلما= طويـت سـماء قلـدتك سماء
في كل
منطقة حواشي نورها =نون وأنت النقطة الزهـراء
أنت
الجمال بها وأنت المجتلى= والكـف والمـرآة والحـسناء
اللـه
هيأ من حظيرة قدسـه= نزلا لذاتك لم يجـزه علاء
العرش
تحتك سدة وقوائـما= وماكب الروح الأميـن وطاء
والرسل
دون العرش لم يؤذن لهم=حاشـا لغـيرك موعـد ولقاء