ربما تكون السنوات التي تلت الهجرة من فلسطين الى الدول العربية هي اصعب ما في الموضوع
فقد ولد صديقنا في مخيم عربي بدولة عربية شقيقة وفتح عينيه على حياة قاسية من منزل يسمى تجاوزا منزلا والى منطقة اشبه ببحيرة من الطين في الشتاء والى عدم وجود اي تمديدات صحية بالمنزل والى عدم وجود الكهرباء
كل ماهنالك عين ماء ممدة في الشارع العام من الساعة 8 صباحا الى الساعة الثانية ظهرا وايضا مكان يسمى التواليت من يدخله ليلا يشاهد الجرزان تسرح وتمرح به
كان صديقنا يلبس ملابس مرقوعة كثيرا من قميصه الى بنطاله والى حذاء مفتوح من الجانبين
واصبح عمره ست سنوات ودخل مدرسة تابعة لهيئة الامم المتحدة
صديقنا كان متمردا لايريد تعليما انما يريد الانتقام من الذي اخذ ارضه وطبعا من القصص التي سمعها من والديه ولكن في ذلك الوقت لم يكن يوجد اي تنظيمات فقط يستمع احيانا للراديو وعن تحرير فلسطين من الزعماء العرب وخاصة من المرحوم جمال عبد الناصر
وانطلقت الثورة في العالم 1965 وكان وقتها عمره لا يتجاوز الثانية عشرة عاما وطار قلبه من الفرح خاصة عندما كان يسمع عن العمليات الفدائية في فلسطين
وبعده لم تكن هناك جنازة لشهيد الا وكان خلفها
وافتتحت مراكز التنظيمات الفلسطينية في المخيمات وانتمى صديقنا لواحدة منها وبدأ ممارسة العمل السياسي ولصق صور الشهداء على الحيطان والازقة
حقيقة بدأ انذاك وضع اللاجئين بالتحسن والعمل بما يضمن لهم حياة كريمة ولكن شيئا واحدا كان ينقصهم جميعا الا وهي فلسطين
وبدات مجازر الاردن واشتبك الفدائيين مع الجيش الاردني وهناك انقلبت حياته الى كارثة بعد ان كان يتامل ان تكون الاردن الموضع الاول لقدمه داخل فلسطين
وبعدها بدأ العمل الفدائي بلبنان ينتشر ويكبر ويكبر صديقنا معها ويدخل عدة معسكرات تدريبية وبعده ليلتحق بالفدائيين وقواعدهم وتبدأ الحرب الاهلية بلبنان وطبعا صديقنا يشترك فيها حماية للثورة ولكن هنا تفتحت عيناه الى حقائق لم يكن يعلم بها قبلا
ويسرد لي مجموعة كبيرة من الاساءات التي امتدت الى هذه الثورة التي اصبحت مرتعا للزعران والحشاشين واللصوص وطبعا هذا الجزء البسيط ليس سهلا لانه كان يسيئ للثورة ككل وتقف خلفه بعض النتفعين من القيادات
يقول لي اذهب الى شارع الحمراء فنشاهد بعض الاخوة في امن احدى التانظيمات منتشرا هناك بلباس مدني يقول تحريت عن الامر لافاجئ ان هؤلاء مهمتهم حماية هذا الشارع الشهير واجرهم كان كل شهر اخذ الاتاوات من اصحاب المحلات فقلت له واذا لم يدفع ضحك وقال يفجر محله هكذا ببساطة
ايضا هناك شارع يسمى الزيتونة لمن يعرف لبنان بتلك الايام وهذا الشارع مرتعا للبارات وبنات الهوى ايضا هو الاخر محمي من هذا التنظيم
عمليات سرقة تتم لمحلات الصرافة او لبعض المحلات الكبيرة منفذيها معروفين جيدا من قبل تنظيمات معينة
هناك نقطة هامة لفتت نظر صديقي ومفادها ان كل انسان من سورية ينتمي للثورة هو مشتبه به ان يعمل للمخابرات السورية وايضا يجب ان يكون في مركز لايسمح له بالوصول للقيادة (صدق او لاتصدق )
اشتباكات مسلحة تحصل بين تنظيمات فلسطينية ليس لهدف سياس انما بضع زعران من هنا وهناك يصطدمون ببعضهم عبر مصالح معينة
يستمر هذا الوضع القاسي على الثورة والتي تقريبا اراحت اسرائيل بتلك الفترة كثيرا باستنزاف طاقاتها بلبنان دون ان تتعلم درس الاردن وما حصل هناك
بمعنى الثورة الفلسطينية بلبنان كانت دولة داخل دولة واذكر ان الشهيد عرفات وبمنطقة الفاكهاني كان يستقبل زواره بحرس شرف وما الى هناك من مراسم دولة لدولة اخرى وكانت الاحزاب اللبنانية الحليفة للثورة مامورة من الفلسطينيين بدلا ان يكونو هم في الواجهة وهم من يسير امور هذه الحركات
والبقية تاتي
فعلا ماكان يحدث اشياء مؤلمة وخاصة وانت تشاهد المسؤلين وابنائهم يسياراتهم الفارهة وهي تشفط بالشوارع وهي تزعج المارة والانكى من ذلك عندما تذهب الى المطاعم والمراقص والكازينوهات وترى اسرافهم وطريقة عيشهم
لا انكر ابدا ما حققته هذا الثورة من مكاسب للفلسطينيين من اعتراف العالم بهم الى انشاء منظمة التحرير ولكن هذا جزء صغير من هذه المهمة الطويلة والشاقة للتحرير
الغريب في الامر ان احدا من هذه التنظيمات لم يحاسب عضوا فيه على مخالفة او سرقة واصبحت هناك عبارة متداولة وهي ثورة حتى اول الشهر ولكم ان تدققو في هذه الكلمة
بالطبع المحاور اللبنانية ساخنة جميعها على نقاط التماس بين الشرقية والغربية والموت على الهوية بابشع صورها كان مالوفا حتى وصلنا الى محاصرة تل الزعتر وكيف انقضت القوات اللبنانية عليه وطريقة صموده الرائعة
ولكن المحير بالامر ان كل التنظيمات اتفقت على اختراق المنطقة الشرقية وفك الحصار عن المخيم وهكذا كان ولم يعد يفصل بين قوات الثورة والمخيم سوى مائتان متر ورغم كل الضحايا التي قدمت في سبيل ذلك جاء امر انسحاب القوات الى مواقعها القديمة بعد ان ايقن الجميع ان الاختراق في مراحله الاخيرة
علامات استفهام كبيرة رسمت حول الموضوع ولكن ليس من اجابة وسقط المخيم وسقطت معه مئات ان لم نقل الاف الشهداء من النساء والاطفال والشيوخ والشباب
وحضرت سيارات هيئة الامم المتحد على ما اظن لتنقل بقية من ظل عائشا منهم واخراجهم الى المنطقة الغربية في مشهد قل ان تجد له مثيلا انها ماساة بكل معنى الكلمة وانت ترى الناس من حولك امواتا وهم مازالو امامك واقفين
نعم اموات من هول ماشاهدوه وراوه من مشاهد جهنم في ذلك المخيم
عندها لم يكن هناك سوى طريق الانتقام بقصف المنطقة الشرقية بالاف القذائف العشوائية على الاحياء السكنية ولكن المجزرة وقعت وانتهت
الايم تمر والثورة غارقة في صراعات بعيدة عن هدفها الاساسي وانغمست الثورة فيها وذهب افضل شبابنا وزهراتهم في براثنها
السؤال ظل يراودنا هل نحن دخلنا هذه الثورة فداء لفلسطين والقدس وتحريرها ام لاقامة شبه دولة لنا في لبنان
هل نقاتل وندفع هذه الدماء الذكية كي نرى مسؤلينا واولادهم يتنعمون باموال الشهداء والاسرى
ومن يدخل مخيمات لبنان يرى افظع المناظر التي لاتخطر ببال احد ان يراها
بيوت اسطحها من الزينكو او مايسمى الحديد اللين وهذه البيوت مكدسة على بعضها وترى اهلها وقد اخذ منهم الفقر كل ماخذ لانه بطبيعة الحال الحكومة اللبنانية تمنعهم من العمل ومن ترميم البيوت بدافع عدم تجنيسهم وبنفس الوقت لاتقدم لهم اي دعم من اي نوع اللهم سوى مضايقتهم والتحرش بهم واذلالهم
احساس ينتابني انني كلاجيئ فلسطيني داخل هذه الثورة انني غريب عنها وانها حقيقة لاتمثل سوى جزء من ما اريدها منها
نعم حضرت معارك الجبل والفنادق والكحالة وخطوط التماس كلها ببيروت الغربية وايضا المعبر الرئيس بين الغربية والشرقية ومنطقة الدامور اي انني كنت شاهد على كل وقائع هذه الحرب
الشيئ اللافت للنظر على محور خطوط التماس ان احد المسؤلين الفلسطينيين وفي عز المعارك كان يتنقل بين المحورين يوميا بحجة او باخرى انما غير مقنعة لاحد
ايضا وانا اسرد قصتي يقول من يقرأ ما اكتب يعتقد انني اتهجم على انجازات الثورة او انني حاقد عليها ولكن الحقيقة انني اكتب من حرقة قلبي لما كان يحصل وليعرف الجميع الاخطاء التي وقعنا فيها ولم تزل للان لم تصحح
والى هنا وبدون ذكر تواريخ قررت انني يجب ان اترك هذه الثورة بالعمل العسكري لقناعتي بان هذه الحرب ليست حربنا
وقررت الرجوع الى مخيمي في القطر الاخر
وهكذا كان وركبت السيارة وانطلقت متخطيا البلد الاول الى الثاني وهنا عرفت انني يجب ان اذهب اليها مشيا على الاقدام لكي اتخطى هذه الحدود لانني هكذا ذهبت الى لبنان وهكذا كان
حاولت ان اتخطى هذه الحدود من الالتفاف عليه ولحظي السيئ التقطتني دورية امنية اصطحبتني لفرع الامن هناك ووضعوني داخل غرفة صغيرة للتوقيف المؤقت ولكن بعد قليل حضر احدهم وقال انت مطلوب لفرع التحقيق الامني ومعمم على اسمك
يعيش الملك يحيا الملك
يحضر ضابط وثلاثة عناصر مسلحين يصطحبون صاحبي معهم الى السيارة هناك توضع جلدة اشبه بالفوتبول على راسه وعينيه ويسمع السيارة وهي تذهب مسرعة وبعد فترة حوالي النصف ساعة تتوقف وصاحبنا لاحول له ولا قوة
يدخلونه الى غرفة ويرفعون الجلدة عنه فيرى نفسه امام ثمانين انسانا موجودين في غرفة لاتتسع لاكثر من عشرين شخصا ورائحة الارجل والروائح الاخرى تجعل الانسان في حالة من الاقياء ويضحك الاخرون منه ويقولون له ستعتاد على ذلك فهذا اول يوم لك والداخل الى هنا مفقود والخارج مولود
الساعة الحادية عشرة ليلا بعد عشرة ايام من اعتقاله احد الحراس يصرخ باسمه ويقول صاحبنا موجود وياخذونه الى غرفة ضابط التحقيق ويفتح الباب ولكن الاقدام تتسابق على بطنه وراسه ورجليه ويسبح صاحبنا ببركة من الدماء ويصحو على سطل ماء يدار على راسه ليصحو امام المحقق ليقول له هذه بداية الحفلة
لماذا ذهبت الى لبنان وياله من سؤال غبي يطرحه عليك محقق ذكي زهنا دارت في راس صاحبنا اسئلة كثرة هلى اقول له ذهبت الى لبنان لتحرير فلسطين ام ماذا ماذا يريد من سؤاله الغبي ذلك
وهنا صاح تكلم والا جعلت احسن فلسطيني يلحس قدمي انتم الفلسطينيون كذا وكذا وهنا دارت براس صاحبنا مايقوله الراديو والتلفاز عن تحرير فلسطين والقدس
قال له بصراحة حدثت مشاجرة بيني وبين اهلي لذلك هربت الى لبنان
هنا يتمتم المحقق لقد قطعت بلدين عربيين مشيا على الاقدام يعني تجاوز حدود هعل هذا صحيح
بالتاكيد عرف صاحبنا ان المعلومات مؤكدة يعرف بها الامن وهنا تذكر صاحبنا ان احد المشبوهين بانتمائهم لهذا الجهاز الامني الملكي هرب من هناك اذا هم يعلمون تماما بما حصل لان هذا الانسان رافقهم بهذه الرحلة التي تورمت اقدامهم منها
اذا انت ضد هذا النظام هنا
يسالني المحقق بكل جفاصة هل انت ضد النظام هنا
كنت ساقول له هل اذا ذهب اي انسان لخدمة قضيته الوطنية يصبح ضد النظام ولكني كنت اعرف ان مجرد نطقي هذا الكلام ستفتح ابواب الجحيم امامي فقلت له بالطبع لا فلا علاقة لماذهبت اليه بالنظام
اذا لماذا رجعت الى البلد مع انك كنت مرشح لدورة عسكرية لضبط اشارة في موسكو وتدربت في دورة مدفعية ودورة اشارة بالفاكهاني ثم جلس وقال في هذه الدورة كان معكم ابنتان من بنات السيد فلان وهو مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية فما السر بذلك ياترى
فقال صاحبنا في نفسه هل كل هذه المعلومات بحوزتهم كيف اتو بها الى هنا رغم سريتها
فجاة يغضب ويصيح لاتفكر بالاجابة اعطني الرد فورا وهذا معناه ان اصبح كيس ملاكمة للتدريب
اذا التهم الموجهة اليك 56 تهمة هل تعترف بها جميعا وتوقع
نظرت اليه وقلت سيدي لا اعرف عن اي تهم تتحدث فانا لم افعل شيئا سوى ان ذهبت للمقاومة
يتمتم ثم قال خذوه ويالها من ليلة
طريقة تعذيب لا اريد شرحها ولكن ابشعها الكهرباء التي يصدمون الانسان بها
ولم تنقضي سوى ساعة واحدة حتى جاء الحراس يريدون استكمال التحقيق ولكن لم يستطع صديقنا الوقوف على قدميه فجروه من يديه الى غرفة المحقق
قف هل تريد التوقيع ام ناخذك بنزهة ثانية
بالطبع سيدي ساوقع ماتريدونه ولو على حكم اعدامي
اذا قال الضابط اذهبو واحضرو له كاسا من الشاي قبل التوقيع لندردش قليلا
وبدأ بالقول اننا مع فلسطين والمقاومة حتى التحرير وحتى نستعيد القدس ولكن هل تعتقد انك لوحدك تستطيع فعل ذلك
ثم ما ادرانا انك ارسلت الينا للقيام بعمليات اجرامية تزعزع امن البلد
يحضر كوب الشاي ويقول انت تدخن تفضل سيكارة ويقول لا اخفيكم قولا ان السيكارة كانت افضل ما حصلت عليه طيلة مدة اقامتي بالسجن ناهيك عن نقلي لزنزانة منفردة ورمي المء علينا ونحن نائمون وشتمنا ذهابا وايابا
المهم وبعد حوالي العشر ايام يقولون لي صدر الحكم بك
تجريد من كافة الحقوق المدنية والعسكرية وابعاد خارج البلاد
حقيقة افضل كلمة سمعتها هي ابعاد من هذه البلاد وقالو لي انتظر فاننا اخبرنا عدة دول لنرى من ستستضيفك عندها
وبعد ايام يرجعون ليقولو لي جميع الدول رفضت الطلب اذا....
هل ابقى في السجن طول عمري
المهم في الموضوع انه بعد اشهر حضرو وقالو سيطلق سراحك وترجع لك هويتك ولكن لا تستطيع ان تعمل داخل الحكومة او ان تسافر وهكذا اطلق سراحي ولكن كنت دائما اشعر انني داخل سجن فانني اشعر بهم دائما انهم يراقبونني
عدا عن انهم يرسلون بطلبي كل عدة اشهر للاستجواب
والتهمة لاجئ عربي فلسطيني
انتهت القصة الحقيقية لاحد الاخوة الاجئين في هذه الدولة العربية الغير شقيقة حتما واقصد نظامها
وهذه ليست سوى واحدة من اقل القصص اثارة في مواضيع الاخوة الفدائيين او اللاجئين فكثير منهم قضى داخل السجون وكثير منهم عاش حياته بها
تحياتي لكم