بسم الله الرحمن الرحيم
عوامل ثبات
عرَّف العلماء الرباط بأنه : الإقامة في الثغر لإعزاز الدين ودفع خطر الأعداء عن المسلمين 0 والمراد بالثغر : مكان ليس وراءه إسلام .
وقال ابن حجر في ( فتح الباري ) : " الرباط : ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم فالمرابطون بمثابة الحُرَّاس لحدود البلاد الإسلامية من هجوم الأعداء 0 وكلما كان الثغر أشد خوفاً واحتمال الخطر ، كانت المرابطة فيه أفضل وأعظم أجراً .
وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية : إلى أن المقام في ثغور المسلمين أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة 0 وقال : وما أعلم في هذا نزاعاً بين أهل العلم .
ويؤيد كلامه هذا ما نقله سعيد ابن منصور في سننه قول أبي هريرة رضي الله عنه : " لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إليَّ من أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود .
وقد أخرج البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ).
وقد أخرج الترمذي في جامعه بإسناد حسن أن سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ مرَّ بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَهُوَ فِي مُرَابَطٍ لَهُ وَقَدْ شَقَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكَ يَا ابْنَ السِّمْطِ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَلَى قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ وَرُبَّمَا قَالَ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ فِيهِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَنُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) .
وأخرج الترمذي أيضاً أن عُثْمَانَ بن عفان رضي الله عنه قال وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : إِنِّي كَتَمْتُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ لِيَخْتَارَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ) رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ ).
فيا أخي المرابط في سبيل الله حفظك الله ورعاك : أحسب أن ما تقدم من أحاديث تبرز مكانة الرباط والمرابطين هي خير زاد وعون للمرابطين و في سردنا لهذه الأحاديث نقتدي بسلفنا الصالح رضوان الله عليهم ، فقد أخرج الإمام الطبراني في (معجمه الكبير ) : عن كعب بن عُجرة أن سلمان الفارسي مرَّ به وهو مرابط بأرض فارس فقال ألا أخبرك بأمر يكون لك عوناً على رباطك قال بلى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ).
ومما لا شك فيه أن الأجر على قدر المشقة ، والرباط والحراسة في سبيل الله في مواجهة العدو ثقيل على النفوس ، كيف لا والمرابط من أكثر الناس عرضة للخطر لأنه تحت مرمى العدو ، وأحسب أن المرابطين في فلسطين هم أعظم الناس في هذا الزمان ، ولا غرو في ذلك ، بل لا أبالغ إذا قلت إنهم أعظم المرابطين في تاريخ الأمة ، كيف لا وهم يواجهون أقوى ترسانة عسكرية في المنطقة ، ويرابطون على أرض مكشوفة ترصد تحركاتهم طائرات الاستطلاع من حين لآخر ، وفي لحظة يكونوا عرضة لصواريخ الاحتلال .
لذا أخي المرابط : تذكر دائماً عظم المهمة التي تقوم بها ، كما تذكر عظم الثواب ، ولا تنس أن تخلص نيتك لله سبحانه وتعالى ، فإنما يتقبل الله من الأعمال ما كان خالصاً لوجه الكريم ، واحذر من العجب فإنه محبط للعمل ، واحذر من الفراغ ، فإن الفراغ للرجال غفلة ، كما أنه من أكثر الأبواب التي ينفذ منها الشيطان ، ولا يخفى أن الشيطان يزين للمجاهد قوة العدو مما يكون سبباً في جبنه وركونه للدنيا وللزوجة والأولاد ، وهذه كله من أسباب الهزيمة ، ويصدق ما نقول ، قول الله تعالى : َ﴿وإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [ الأنفال : 48] .
واعلم أن من أكثر الأشياء التي تعين على ثبات المرابطين هو ذكر الله تعالي ، لقوله تعالى :
﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾ 0 كما أن الذكر يضفي على القلوب الطمئنينة والسكينة ، التي أكثر ما يحتاج إليها المرابطون ، لقوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ .
فالثبات الثبات أيها المرابطون ، فأنتم على ثغر من أعظم الثغور ، فاحذروا أن يؤتى الإسلام من قبلكم ، ثبتكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وجعل النصر مأواكم .