الحـــــاسد
أحسن أيامه يوم تمرض، أجمل لياليه يوم تفتقر
لو قدمت له حذاءه، وأحضرت له طعامه،
وناولته شرابه، وألبسته ثوبه،
وهيأت له وضوءه، وفرشت له بساطه،
وكنست له بيته،
فإنك لا تزال عدوه أبداً،
لأن سبب العداوة لا زال فيك،
وهو فضلك أو علمك أو أدبك أو مالك أو منصبك،
فكيف تطلب الصلح معه وأنت لم تتب من مواهبك ؟!
والحاسد ينظر متى تتعثر،
ويتحرى متى تسقط،
ويتمنى متى تهوي.
أحسن أيامه يوم تمرض، أجمل لياليه يوم تفتقر،
وأسعد ساعاته يوم تنكب،
وأحب وقت لديه يوم يراك مهموماً مغموماً حزيناً منكسراً،
وأتعس لحظة عنده إذا اغتنيت،
وأفظع خبر عنده إذا علوت، وأشد كارثة لديه إذا ارتقيت،
ضحكك بكاء له،
وعيدك مأتم له،
ونجاحك فشل لديه،
ينسى كل شيء عنك إلا الهفوات،
ويغفل عن كل أمر فيك إلا الزلات،
خطأك الصغير عنده أكبر من جبل أحد،
وذنبك الحقير لديه أثقل من ثهلان،
لو كنتَ أفصح من سحبان،
الأبيض في عينك سواد عنده،
والنهار في نظرك ليل في نظره،
لا تجعله حكماً بينك وبين الآخرين
فيحكم عليك قبل سماع الدعوى وحضور البينة،
ولا تطلعه على سرك فأكبر همّه أن يذاع ويشاع،
ويحفظ عليك الزلة ليوم الحاجة،
ويسجل عليك الغلطة ليوم الفاقة،
لا حيلة فيه إلا العزلة عنه،
والفرار منه، والاختفاء عن نظره،
والبعد عن بيته،
والانزواء عن مكانه.
أنت الذي أمرضه وأسقمه،
أنت الذي أسهره وأضناه،
أنت الذي جلب له همّه،
وحزنه، وتعبه، ووصبه،
وهو الظالم في صورة مظلوم،
لكن يكفيك ما هو فيه من غصص،
وما يعايشه من آلام،
وما يعالجه من أحزان،
وما يذوقه من ويلات.
أبدو فيسجد مَنْ بالسوء يذكرني
كذاك قد كنت في أهلي وفي وطني
محسَّدُ الفضل مكذوبٌ على أثري
فلا أعاتبه صفحاً وإهوانا
إن النفيس غريبٌ حيثما كانا
أُغتاب سراً ويُثني فيَّ إعلانا
وأخيراً:
دع الحاسدً فيما هو فيه من بلاء عظيم،
وادعُ له، وتغافل عنه؛
فالتغافل من صفات العقلاء،
وقديماً قالت العرب: الشرف التغافل،
وقال شاعرها:
ليس الغبيُّ بسيدٍ في قومه لكن سيــد قومه المتغابـي