الشاعر هارون هاشم رشيد
هارون رشيد: قصيدة النثر انقطاع عن التراث وخلع للجذور والهوية
الشاعر الفلسطيني «هارون هاشم رشيد» من مواليد حارة الزيتون في غزة هاشم عام 1927، اسم ذو حضور خاص، اقترن بفلسطين وعذاباتها، فوقف شعره تارة على رؤوس أصابعه حزناً على فلسطين وقضية شعبه وتارة أخرى ممتشقاً قلباً لا يتوقف غضباً، وظل طوال نصف قرن وفياً لاختياره مخلصاً في تعبيره بالهم الفلسطيني من خلال تجربته كانسان ابعد عن وطنه ظلما، وعاش مآسي وإحداثا تقلبت على فلسطين خلال عمره المديد.
هارون هاشم رشيد من شعراء الخمسينيات الذين أطلق عليهم «شعراء النكبة» أو «شعراء المخيم» ويمتاز شعره بروح التمرد والثورة ويعد شاعرنا، شاعر القرار 194 كما وصفه الشاعر عزا لدين المناصرة، فهو من أكثر الشعراء الفلسطينيين استعمالاً لمفردات العودة، العائد، العائدون.. وشاءت الأقدار لهذا الشاعر أن يتعايش ويصاحب اللاجئين منذ اللحظات الأولى لهذه المأساة النكبة، فتفجر شعر هارون من هذه التجربة، وولد ديوانه الأول «مع الغرباء» عام 1954 رصد فيه معاناة فقدان الوطن،
وتأثيرات النكبة وما خلفته، حتى ذهب بعض النقاد ومن كتبوا عنه إلى اعتباره من مدينة يافا أو من بئر السبع وهما مدينتان تم احتلالهما وتشريد أهلهما عام 1948 فقصائده تبدو وثيقة نفسية وإنسانية ترصد ألم اللجوء وحياة المشردين، وحتى اليوم مازال يستلهم قصائده من ألوان الحياة الفلسطينية، فقد اشبع دواوينه الأولى بموضوع اللاجئين والنكبة. ظل قريباً من الناس بعيداً عن النخبوية والمعارك الطاحنة بين القديم والجديد، بل ظل همه التعبير صريحاً عما يؤثر فيه، قريباً من هموم شعبه وأمته.
اصدر هارون هاشم رشيد عشرين ديوانا شعرياً بين عامي 1954 ـ 2002 إضافة إلى عدد من المسرحيات الشعرية التي أخرجت على المسرح وطافت عدداً من البلاد العربية، وشكلت احد روافد المسرح الملتزم، وجددت تقاليد المسرح الشعري والذي لم يعنى به إلا فئة قليلة من الشعراء.
هارون هاشم رشيد ابن الحقبة الناصرية ـ الذي يعتبر نفسه احد جنود هذه المرحلة الأوفياء حتى اللحظة ـ ومندوب فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية، والعضو الدائم في اللجنة الإعلامية العربية، كرم بعدد كبير من الأوسمة ونال الجوائز، إلا أن أهم تكريم ناله المكانة العميقة التي احتلها في وجدان وقلوب الناس ممن اتصلوا بشعره أو استمعوا إليه، فهو ليس من طلاب المجد ولا ينظر إلى تكريم أو احتفال، بل يقول كلمته ويمضي، أملا إن تصل إلى قلوب الناس وتفعل في وجدانهم.. بيان الثقافة التقاه في هذا الحوار:
ـ بداية هل لك أن تحدثنا عن طفولتك ونشأتك والظروف التي أحاطت بهما؟
ـ الحياة والسيرة الذاتية لكل إنسان فلسطيني متشابهة، وعندما أتحدث عن نفسي كأنني أتحدث عن إي فلسطيني، إنا لست في تفاصيل الحياة الفلسطينية استثناء وشاءت لي الأقدار أن أعيش المأساة من أولها كما فعلت شريحة واسعة من كبار السن من الفلسطينيين، فمنذ الثلاثينيات والإحداث تتوالى، والفلسطيني أيا كان عمره ومكانه ومكانته، اندمج معها، حتى أصبحت جزءاً من كيانه وتفاعلاته الحياتية اليومية،
لقد أثرت هذه الأحداث على الصغار قبل الكبار حتى تمكنت من أن تنتزع منهم طفولتهم تماماً كما الأجيال التي تلت وعاصرت النكبة وغيرها وانتزعت منهم كل ما يحلم الأب أن يوفره لأطفاله من براءة ولعب بل وطفولة.
واذكر في عام 36 في احد أيام رمضان أنني كنت مع مجموعة من الأطفال بالقرب من مسجد «الشمعة» نلعب في ساحة اسمها «باب الدارون» في حارة الزيتون بغزة، وقبيل أذان المغرب بقليل حيث اعتدنا على ذلك لقضاء الوقت حتى يحين موعد أذان المغرب لنذهب إلى الإفطار.. ولكن وقبل موعد الأذان مرت دورية بريطانية صغيرة بجانبنا، وفجأة ظهر خمسة ثوار، وأطلقوا النار على الدورية وحدث اشتباك بينهم وبين إفراد الدورية البريطانية أسفرت عن استشهاد اثنين من الثوار وجرح آخرين فيما تمكن الخامس من الفرار.
وبعد وقت قصير امتلأت الساحة بالمصفحات والمجنزرات وتعزيزات كبيرة من الجنود البريطانيين، فطوقوا المنطقة، وجمعوا الرجال في مسجد الشمعة، وكان والدي وأخي الأكبر يتناولان طعام الإفطار عند شقيقتي خارج الحارة، فنمت وبقية أهلي وحدنا في تلك الليلة.
اذكر تلك الليلة جيداً لقد أصبحت عتمتها وظلامها وطغيانها جزءاً مني واذكر كيف عانيت خلال هذه الليلة من الخوف والاضطراب.. وفي الصباح طلب منا الجنود البريطانيون مغادرة المنزل حيث قاموا بنسف عدد من البيوت المحيطة بالمنطقة، ومنذ تلك اللحظة أدركت أن هناك مخاطر تتهددني وأسرتي وشعبي، ومنها ومن فجر تلك الليلة بدأ الالتزام، وشعرت إنني خرجت فعلياً من دائرة الطفولة.
ـ لقد عايشت النكبة، ويطلقون عليك شاعر النكبة أو «شاعر القرار 194» لكثرة حديثك عن اللاجئين ومأساتهم.. كيف اثر هذا الحدث عليك؟ ـ لا استطيع أن انسي تلك اللحظات الصعبة والمأساوية، التي يهجر فيها شعب بأكمله من دياره إلى الشتات، لقد عشت مأساة اللاجئين.. لم لا.. كنت في غزة وكنت احد المتطوعين للمساعدة في نقل وإيواء اللاجئين وكان اللاجئون يصلون في مراكب تسمى الجرو.
واذكر كيف أن هذه المراكب لم تكن تستطيع الوصول إلى الشاطئ فكان الصيادون يذهبون إلى هذه المراكب في زوارقهم ويحضرون الأسر المهجرة الضائعة إلى الشاطئ الذي يفتقر إلى الميناء، نساء وأطفال وعجزة وشباب وفتيات مشهد جحيمي.. كنت اشعر كم نحن وحيدون.
كنا نحمل هذه الأسر على أكتافنا إلى الشاطئ ومن ثم نرسلها إلى أماكن الإيواء في المدارس والجوامع، وبعد ذلك شاءت الأقدار أن اعمل مع لجنة لشئون اللاجئين بطلب من ابن خالتي الذي كان عضوا فيها، ومنذ تلك اللحظة بدأت عمليا وبصورة يومية أعيش مع اللاجئين كل لحظات مأساتهم.
المعظم يشاهد صور خيام اللاجئين.. إنا رأيتها وعشتها تشربت مأساتها لقد مكثوا فترة من الزمن في الخيام حتى جاءت وكالة الغوث وتم نقل اللاجئين إلى معسكرات النصيرات والبريج والمغازي وهي في الأصل معسكرات للجيش لا تصلح للسكن.. وزاد تفهمي للهم الكبير الذي يسكن اللاجئين.
ـ كان لك علاقات حميمة بعدد كبير من الأدباء والقادة والإعلاميين كيف أثرت هذه العلاقات على الشاعر هاشم هارون رشيد بخاصة في بدايات المشوار وأنت توصف بأنك من جيل الخمسينيات في الشعر الفلسطيني؟ ـ لم أكن أتخيل في يوم ما إنني سأصدر ديوانا شعرياً، فقبل صدور الديوان كانت لدي مجموعة من القصائد، وكنت على علاقة حميمية مع المرحوم صلاح خلف «أبو إياد» الذي كان يدرس حينها في القاهرة وكنت معجباً بأستاذه الدكتور عبدا لمنعم خفاجه ـ وهو من كبار الأدباء والكتاب ـ وخلال إحدى إجازات أبو إياد الذي يسكن في مكان قريب من بيتي في غرفة، قرأ بعض قصائدي وقال لي انه سيحملها إلى القاهرة لنشرها. فقلت له هذا ملف بالقصائد خذه معك شريطة عدم نشرها إلا إذا اطلع عليه الدكتور عبدا لمنعم خفاجه وأجاز نشره.
وقبل ذلك كان اخذ مني قصيدة «الجولة الثانية» ونشرها في مجلة «المرابطة» وأهداها إلى رئيس رهط الجوالة حينذاك الأخ ياسر عرفات «أبو عمار» وعندما منحت وساماً عام 1990 ألقاها أبو عمار بصوته إمام الجماهير.
نعود للحديث عن الديوان ففي القاهرة اطلع الدكتور عبدا لمنعم ـ الذي كان عضوا في «رابطة الأدب الحديث» على القصائد وأعجب بها وقال الدكتور عبدا لمنعم لأبي إياد أن هذا الشاعر كبير.
وقرر الدكتور عبدا لمنعم طباعة ديوان «مع الغرباء» حيث صدر عن رابطة الأدب الحديث وكتبوا عليه شاعر فلسطين القومية، وقدم الدكتور عبدا لمنعم خفاجة لهذا الديوان وكتب العديد من الأدباء المعروفين حول هذا الديوان في مقدمتهم مصطفى السحرتي وعبدا لله زكريا وغيرهم.
وتناولته صحف ومجلات وجرائد وكتبت عنه دراسات واسعة في غير مكان من الوطن العربي وتم اختيار عدد من القصائد التي غناها محمد فوزي وفيروز وكارم محمود وفايزة كامل وغيرهم.
وأول شخص كان لي علاقة معه في بداية النكبة كان محمد عبدا للطيف عبدا لله الذي اصدر رواية «لقيطة» فقرأت الرواية وأعجبت فيها فكتبت تعليقا عليها وأرسلتها له، فرد رسالة مطولة فتحت افقا بيني وبينه حتى التقيته عام 1958 في مهرجان شعري على هامش مؤتمر لاتحاد الكتاب العرب الذي كان منعقداً في الكويت.
وفي الكويت كان لي حضور لدرجة أن محمد مهدي الجواهري أراد رؤيتي وعندما قابلته قال لي: احتراماً لك سألقي قصيدة عن يافا.
وقد تعرفت على عدد كبير من الشعراء وتوطدت علاقاتي معهم، وفي القاهرة دخلت المجتمعات الأدبية مبكراً، فكانت لي علاقات مع صلاح عبد الصبور ومعظم شعراء وأدباء هذا الجيل.
ـ أنت شاعر تكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة فما هي معايير القصيدة الناجحة لديك؟ ـ الشعر هو شعر عندما يخرج كشعر فالقصيدة الناجحة هي التي تعبر عن صدق الشعور، فالصدق شرط أساسي للشعر، وبقدر ارتقاء القصيدة إلى مستوى الشعور باللحظة وتكثيفها وجدانياً بقدر ما تكون ناجحة.
والقصيدة الناجحة يتوفر فيها أيضا موسيقى الشعر، وإذا خلت القصيدة من الموسيقى تعتبر نوعاً آخر من الكتابة.
ـ في هذا الإطار ما رأيك بقصيدة النثر التي يذهب البعض إلى أن فيها نوعاً آخر من الموسيقى؟ ـ هذه القصيدة المزعومة هدفها الانقطاع عن التراث وخلع عباءة الانتماء وقطع الجذور وهذا مرفوض عند من يريد التمسك بهويته وأصالته، وإذا عدت إلى بدايات هذه الحركة وما كشف حول الجهات الممولة لها، فنضع عند ذلك علامات استفهام كبيرة، فكسر وإضعاف اللغة والنحو وشطب الوزن موجة مرفوضة ولا أؤمن بها بل أضع علامات استفهام كبيرة على مشروع قصيدة النثر منذ بداياته.
ـ في قصائدك تستخدم الشعر العمودي وشعر التفعيلة، ويبدو قبولك الأخير كامتداد للشعر العربي، مطوعاً إياه للتعبير عن مرادك؟ ـ نعم، إنا لا اعد شعر التفعيلة خروجا، بل امتداد للشعر العربي ولموسيقاه الأصلية، فلم تخرج التفعيلة على شعر التراث، وإنما هي جزء منه، وحركت هذه التفعيلة الإيقاع وأعطته مدى أوسع لذلك فهي تطور مقبول ما دام جوهر الإيقاع موجوداً داخلها.
وأنا استخدمت التفعيلة مبكراً منذ ديواني الأول «مع الغرباء» وفي عدد من القصائد والمسرح الشعري، وصدر لي ديوان كامل عام 1970 كتب مقدمته المرحوم أبو إياد فالتفعيلة أداة من الأدوات التي يستعملها الشاعر.
وقبل فترة بسيطة كنت مدعواً للمشاركة في إحدى المهرجانات الشعرية في تونس، وكنت قد حضرت مجموعة من القصائد لألقيها في المهرجان، وبعد نزولي من الطائرة، ركبت سيارة لأتوجه إلى الفندق فتابعت من خلال المذياع ما يحدث في جنين وأصبح كل الورق والقصائد التي انتقيتها لإلقائها في المهرجان ليست ذات قيمة بالنسبة لي، فكتبت قصيدة جديدة ألقيتها وحدها في المهرجان، فدخلت على الحضور ولم أحييهم ولم اشكرهم ولم اقل لهم السلام عليكم، بل قلت:
حزينا أجيء لكم
فاعذروني إذا سبقتني إليكم عيوني
بدمع سخي سخي سخين
على من فقدتهم في جنين
اعز الرجال اعز النساء اعز البنين
هذا شاهد على أن شعر التفعيلة لاقى استحسان الناس، وعبر عنهم، وأنا وجدت أن شعر التفعيلة يطوع المشهد والصورة أكثر وبلائم الشعر المسرحي.
ـ لو اتهمك البعض انك شاعر كلاسيكي والقصيدة لم تتطور عندك فكيف ترد؟ ـ أؤمن بأن الشاعر الذي يستطيع أن يعبر تعبيراً صادقاً عن لحظته بالأداة التي يستطيعها، وبإمكاني أن الغز واخفي مما يسمى بالتجديد.. وعندي أن الحداثة فيما اكتبه تتحد بوصول ما أريده إلى الآخرين، وما دام يروقهم فهو شعر حديث.
والأمر الآخر أننا كشعراء فلسطين نركن جانباً الإيغال في الرمزية وغيرها، فنحن لدينا قضية نكتب فيها والشاعر يعبر عن حالته، هل من الممكن أن يأتي شاعر فلسطيني ويجلس في برج ويتكلم عن السريالية والألغاز والصور دون أن يعبر عما يجري من مجازر وقتل وإرهاب بحق أبناء شعبنا الفلسطيني؟ في النهاية الإبداع حالة إنسانية مندمجة مع بيئة الشاعر وفصلها عن هذه البيئة يجعلها كائناً مسخاً لا طائل منه.
ـ أصدرت عشرين ديوانا شعرياً منذ عام 1954 ولاحظت من خلال تواريخ صدورها أن الفترة الممتدة بين عامي 58 و66 لم يصدر لك فيها إي ديوان شعري فما سر ذلك؟ ـ عام 56 جاء عبد الناصر ومعه خطة لإقامة دولة فلسطينية، حث تشكل إيمان عميق عند عبد الناصر بإيجاد الكيان الفلسطيني وفي هذه المرحلة شغلت عن الشعر في هذا الأمر، مع إنني كنت اكتب أحيانا لكن دون أن انشر ما اكتبه.
ـ بمناسبة الحديث عن عبد الناصر، أنت ابن الحقبة الناصرية، عايشتها بل كنت موظفاً في صوت العرب، ماذا تقول عن هذه المرحلة؟ ـ منذ اللحظة الأولى التي سمعت فيها عن قيام الثورة في مصر اعتبرت نفسي احد جنودها، وأصبح أملي كبيراً بأن هذا الرجل سيحدث نقلة تاريخية في تاريخ الأمة العربية، وشاءت الأقدار أن أكون في اتون هذه الأحداث، وبحكم عملي اطلعت بشكل مباشر وغير مباشر على خبايا ما يريده عبد الناصر بالحس الذهني أو من خلال رجالات النظام.
عمل عبد الناصر منذ عام 56 على تأمين سلاح للجيش، فلجأ إلى الكتلة الشرقية للحصول على السلاح وكان له ما أراد بحصوله على أول صفقة من السلاح التشيكي، وكانت هذه الصفقة من الأسباب الرئيسية لحرب 56، إلا أن العدوان الثلاثي لم يكسر شوكة عبد الناصر الذي تمكن من تفجير الموقف الشعبي ضد العدوان والاحتلال.
كيف عاد الحاكم العام إلى غزة؟ الاتفاقية أن قطاع غزة يصبح تحت السيطرة الدولية «تدويل القطاع» لكن الشعب الفلسطيني رفض هذه الاتفاقية، وخرج بمظاهرات كبرى كانت تنادي وتهتف بعدم التدويل ووصلت إلى أوجها عندما صعد شاب اسمه محمد مشرف إلى سطوح السرايا وقام بإنزال العلم الدولي ورفع مكانه العلم المصري، وعندما نزل الشاب تم إطلاق النار عليه وقتله.
وبعد عام 56 أعطى عبد الناصر فرصة للفلسطينيين برئاسة الإدارات التي كان يرأسها المصريون وفتح المجال أمامهم للذهاب إلى الكلية الحربية، إضافة إلى الدراسة في الجامعات المصرية، أراد تأهيل الفلسطينيين علمياً وعسكرياً.. وانشأ الاتحاد القومي فانتخبت لجان الاتحاد في محاولة مبكرة لإيجاد الكيان الفلسطيني وافرز من هذه اللجان انتخاب أعضاء المجلس التشريعي ليصبح هناك سلطة تنفيذية وتشريعية.
ـ ما دمنا في هذا الإطار، كيف تنظر إلى النكبة الثانية التي حلت بالشعب الفلسطيني؟ ـ 1967 لها قصة طويلة وعريضة وليس لها مساس بنا كفلسطينيين فنحن قاتلنا حتى اللحظة الأخيرة وكنت حينها موجوداً في القطاع، عضو في منظمة التحرير الفلسطينية وسقطت الدنيا ونحن نقاتل، واذكر أن الأخوة الذين كلفوا بعمليات الداخل رفضوا التسليم بالهزيمة واستمروا بالقتال، لكن حصل ما حصل.
ـ تأريخ 67 يشكل بداية اهتمامك بالمسرح، فإضافة إلى انك شاعر فأنت كتبت المسرحية والرواية، هل لك أن تطلعنا على هاتين التجربتين؟ ـ بدأ اهتمامي بالمسرح عام 67، حيث التفت إلى أهمية المسرح في إيصال الرسالة وكتبت أول مسرحية لي عام 1972، وصدرت هذه المسرحية عن الكتاب الذهبي ومثلت بعد ذلك على المسرح حيث أخرجها كمال ياسين ومثلها كرم مطاوع وسهير المرشدي وعرضت في التلفزيون بعد ذلك.
وبعد ذلك كتبت مسرحية «سقوط بارليف» وهي منظومة على شعر التفعيلة وتحدثت فيها عن مفاهيم مختلفة عن كل المسرحيات التي قدمت وتم اختيار هذه المسرحية من بين عدد كبير من المسرحيات التي تم تبنيها من مصر في ذكرى العبور، وحصلت على المرتبة الأولى من بين ست مسرحيات اختيرت لهذه الغاية، ونفذتها فرقة المسرح القومي المصري عام 74 واستمر عرضها فترة طويلة من الوقت وطافت بلاداً عربية متعددة وكتبت بعدها «جسر العودة» و«عصافير الشوك» و«القصر».
إما على صعيد الرواية فقد كتبت الرواية في أوائل الخمسينيات وكانت روايتي الأولى هي «دوامة الأعاصير» ودارت أحداثها حول سقوط حيفا، وفي أواخر الخمسينيات كتبت رواية «مولد عائد» وهي رواية تتم أحداثها كلها في لحظات ميلاد امرأة لاجئة في معسكر المغازي وكان زوجها في عملية فدائية ومع كل طلقة من طلقات الميلاد، كان هناك حديث عن خلفية المرأة وتهجيرها من يافا وكان المفروض تمثيل هذه الرواية سينمائيا وقبضت ثمنها لكن حدثت تغييرات ولم يتم عمل الرواية وضاعت النسخة الأصلية مني كما ضاعت من المخرج المصري توفيق صالح الذي كان مقررا أن يقوم بإخراجها. وكتبت رواية أخرى بعد ذلك وهي «سنوات العذاب».
ـ إضافة إلى انك شاعر وأديب فأنت سياسي وإعلامي ومنذ عقود تتوالى المآسي والأحداث على شعبنا الفلسطيني بشكل خاص وامتنا الإسلامية والعربية بشكل عام، ولكن ما يلمس حاليا انحسار فعلي لدور المثقف العربي في الشارع ولا نلمس تأثيرا لهم على الشارع العربي ماذا تقول في ذلك؟ ـ شيء مريب أن يقابل ما يجري في فلسطين بالصمت من العالم العربي أنظمة وشعوبا وعندما كانت البلدان العربية ترزح تحت الاحتلال الفرنسي والبريطاني وغيرهما وكان يسقط شهيد في المغرب أو الجزائر أو مصر كنا في فلسطين نسمع صوت الأذان في غير موعده وتدق أجراس الكنائس تضامنا وتعبيرا عن حالة الغضب والتضامن وكنت تجد الألوف في الشوارع يطالبون بإنهاء الاحتلال عن إي بلد عربي.
إما في الوقت الراهن فان المئات بل الآلاف يذبحون في الشوارع في فلسطين والعراق وغيرهما من البلاد الإسلامية والعربية وعلى شاشات التلفزة دون أن يحرك ساكنا لدى الشعوب الإسلامية والعربية.
ـ أنت مندوب فلسطين الدائم في جامعة الدول العربية ونلاحظ في الوقت الراهن أن الولايات المتحدة الأميركية تشن حملة إعلامية وسياسية مكثفة على الدول العربية وهناك أحاديث عن إعادة تقسيم المنطقة العربية، كيف تقيم السياسة الأميركية إزاء العرب في هذه المرحلة؟ ـ السياسة الأميركية التي تنفذها الولايات المتحدة الأميركية ليست جديدة بل هي قديمة متجددة والمطلوب من العرب والمسلمين إعادة النظر بأوضاعهم وسياساتهم ومواقفهم وإذا ضربت العراق فسنطبق مباشرة المثل القائل «أكلت يوم أكل الثور الأبيض» فالأمر لن يقتصر على العراق بل سيتعداه إلى كل الأقطار العربية الواحدة تلو الأخرى ووجدت الولايات المتحدة فرصتها في إحداث 11 سبتمبر العام الماضي لتنفيذ مخططاتها وأنا واثق أن هناك خارطة جديدة ترسم لهذه المنطقة العربية «سايكس بيكو» جديد. هناك أمر ما سيحدث، فما جرى في أميركا لا يحتاج كل هذا القتل والدمار، أميركا لم تقم لجنة تحقيق في الموضوع بل بدأت بضرب أفغانستان ما يؤكد أن هناك مخطط وإستراتيجية تجاه المنطقة العربية والإسلامية وجدت أميركا في 11 سبتمبر مبررا ووسيلة للبدء بتنفيذها.
ـ جامعة الدول العربية رأس الدبلوماسية العربية، والكثير يتهمها بالفشل والتقصير في معالجة المسائل العربية أين المشكلة؟
ـ الجامعة العربية ليست كيانا واحدا وليس العيب فيها ولا في ميثاقها ولا قراراتها فهناك لجان ودراسات على اعلي المستويات وتم اتخاذ عشرات القرارات في كافة المسائل لكن الإشكالية في أن كل دولة عربية تأخذ ناصية بعيدة لها عن الالتزام بهذه القرارات والأغلب لا ينفذون منها شيئا فليس هناك قرار واحد اجمع عليه العرب ونفذوه، فالعيب ليس في الجامعة بل في الأنظمة التي لا تلتزم بما يتم اتخاذه من قرارات وهي جزء من صناعة هذه القرارات ومع ذلك ورغم أن العديد ينتقد ويهجو الجامعة العربية إلا أنها المكان الوحيد الذي مازال يلتقي فيه أفراد الأسرة الواحدة ويجمع شملنا.
ـ بتقديرك ما المطلوب عربيا للخروج من هذه الحالة؟
ـ المنطقة العربية تواجه مشاكل خطيرة وكبيرة تحتاج إلى مشروع تنمية سياسية واقتصادية شامل لذلك يجب أن تكون الحلول مستندة إلى حاجات الناس ولا يجب أن نلوم أميركا لوحدها فالعرب منذ سنوات بعيدة وهم يقبلون بالمنطق والسياسة الأميركية لان النظام الرسمي العربي مشرذم ويتصرف الحكام وفق المصالح القطرية الضيقة دون الأخذ بالاعتبار مصالح الشعوب العربية، فبعد غياب الموقف العربي الواحد أصبحنا أسرى السياسة الأميركية وغير مؤثرين وفاعلين في الساحة الدولية وهذا العجز والهوان أعطى إسرائيل فرصة كاملة لتحقيق ما تريد من احتلال للأراضي الفلسطينية وإلغاء للاتفاقيات والقتل والتدمير دون حساب للعرب.
اعتقد أن هناك أزمة كبيرة في النظام الرسمي العربي فلا يصبح القرار الرسمي العربي جديا ـ وان عارض بالتصريحات والأقوال ـ إلا إذا ارتبط بالموقف الشعبي، فعلى الأنظمة العربية التواصل والترابط مع شعوبها لمواجهة الأخطار المقبلة وتجسيد العلاقة لبناء حالة واحدة بدلا من العداء وتربص كل طرف بالآخر.
أعماله الشعرية :
مع الغرباء (رابطة الأدب الحديث، القاهرة، 1954م).
عودة الغرباء (المكتب التجاري، بيروت، 1956م).
غزة في خط النار (المكتب التجاري، بيروت، 1957م).
أرض الثورات ملحمة شعرية (المكتب التجاري، بيروت، 1958م).
حتى يعود شعبنا (دار الآداب، بيروت، 1965م).
سفينة الغضب (مكتبة الأمل، الكويت، 1968م).
رسالتان (اتحاد طلاب فلسطين، القاهرة، 1969م).
رحلة العاصفة (اتحاد طلاب فلسطين، القاهرة، 1969م).
فدائيون (مكتبة عمّان، عمّان، 1970م).
مزامير الأرض والدم (المكتبة العصرية، بيروت، 1970م).
السؤال / مسرحية شعرية (دار روز اليوسف، القاهرة، 1971م).
الرجوع (دار الكرمل، بيروت، 1977م).
مفكرة عاشق (دار سيراس، تونس، 1980م).
المجموعة الشعرية الكاملة (دار العودة، بيروت، 1981م).
يوميات الصمود والحزن (تونس، 1983م).
النقش في الظلام (عمان، 1984م).
المزّة - غزة (1988م).
عصافير الشوك / مسرحية شعرية (القاهرة، 1990م).
ثورة الحجارة (دار العهد الجديد، تونس، 1991م).
طيور الجنة (دار الشروق، عمان، 1998م).
وردة على جبين القدس (دار الشروق، القاهرة، 1998م).
أعماله الروائية :
سنوات العذاب (القاهرة، 1970م).
الدراسات :
الشعر المقاتل في الأرض المحتلة (المكتبة العصرية، صيدا، 1970م).
مدينة وشاعر : حيفا والبحيري (مطابع دار الحياة، دمشق، 1975م).
الكلمة المقاتلة في فلسطين (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973م).
يتبع
.
.
.
.
عدل سابقا من قبل romio في الأحد أكتوبر 04, 2009 1:49 pm عدل 2 مرات