الشاعر جورج جريس فرح
نبذة
من مواليد حيفا ـ فلسطين ـ عام 1939 ومن سكان شفا عمرو حاليا .
أنهى دراسته الثانوية في " الكلية الأرثوذكسية العربية " في حيفا عام 1959م .
درس المحاسبة وإدارة الأعمال ، عمل موظفا حتى عام 1969م , ثم مديرا لمكتب تأمين حتى عام 1980م , ثم مديرا في بنك العمال حتى 1994م حيث استقال ليزاول الأعمال الحرة في مجالات الخدمات التجارية , الإعلان , الطباعة والنشر .
كتب الشعر في سن مبكرة ، كما كتب القصة القصيرة , المقالة ، وكلمات الأغاني .
أصدر مجموعته الشعرية الأولى بعنوان " بدء الحصاد " عام 1985م والثانية " صوت يبحث عن صداه " عام 1991 وقد تأثرت مجموعته الأخيرة بأحداث الانتفاضة الفلسطينية بشكل خاص .
نشرت الصحف العديدة والمجلات الكثير من إنتاجه وتم تلحين وغناء العديد من كلماته .
الليل والحب وحبيبتي !
لحبيبتي في الحبِّ شَرطٌ أوَّلُ
شرطٌ أساسٌ
عنهُ لا تتنازَلُ
أن أربطَ الليلَ بأطرافِ النهارِ
بسِحرِها أتغزّلُ
واطَوِّلُ...!
لحبيبتي والليلِ أسرارٌ
ولغزٌ أجهلُ
في الليلِ يطغى عِطرُها
يتدلّلُ
يتسلّلُ
في جوفِ أعماقِ الوريدِ
ويوغِلُ...
والعِطرُ عندَ حبيبتي لا يُمْهِلُ
لا يعرفُ الإبطاءَ في ما يفعَلُ
وأنا شديدُ الحسِّ
لا أقوى على عطرٍ يبرّح بالفؤادِ
ويقتلُ...!
وا حيرَتي...
ما حيلتي
وأنا الذي،
من غيرِ خمرٍ،
أثملُ
هاتوا الصّغارَ أضمُّهُم
هاتوا أياديكُمْ
إذا تَعِبَتْ وأضناها العَمَلْ
هاتوا أقَبِّلْها
وأغسِلْها
بدمعٍ في المُقَلْ
هاتوا كواهِلَكُمْ
فقد حمَلَت مدى العُمرِ الثِّقَل
والأرضُ منكُم لم تَزَلْ
مِعطاءَةً
منذُ الأزلْ
هاتوا معاوِلَكُم
أزيِّنْها
بشاراتِ الظَّفَرْ
هاتوا مواجِعَكُم
أطيّبْها
بزيتٍ من شجَرْ
زيتونِنا الطفّاحِ من جوفِ الحجَر!
هاتوا صِغارَكُمو
أضمّهمو
إلى الصدرِ العَطِرْ
هاتوا
لأطبعَ فوقَ جبهَتِهِم قمَرْ
فهُمُ البدايةُ
والنهايةُ
والحكايةُ
والخبَرْ
وهمُ القضيَّةُ
والهويَّةُ
والمسيرةُ والأمَلْ!
نسرٌ أم حمامة
لاجتماعِ الطَّيرِ،
ما قبلَ الصَّباحْ،
أقبَلَتْ، مذعورَةً،
أسرابُ أصحابِ الجناحْ..
جَدوَلُ الأعمالِ مَقصُورُ الكلامْ:
نزعُ شاراتِ السَّلامِ عنِ الحَمامْ!
حيثُ أنَّ الناسَ قد مَلّوا الوُعودْ
فالحَكايا جاوَزَتْ كلَّ الحُدودْ
كلَّ يَومٍ يملأُ الدُّنيا بَشائرْ
عن سَلامٍ قادِمٍ كالطَّيرِ طائرْ
ناعقًا قالَ الغُرابْ:
يا طُيورْ
آنَ أن يَرعَى القَضِيَّة
نسرُنا حامي الحَميّةْ
فهْوَُ أوْلى بالوظيفَةْ
مِن ذوي النَّفسِ الضَّعيفَةْ
فيهِ لَو رُمنا الحقيقَةْ
كلُّ ما تَبغي الخليقَةْ
فالمعالي مَطلبُهْ
والبَرايا تَرهبُهْ،
فاجعَلوا النَّسْرَ الإماما
واعزلوا الآنَ الحَماما
لم يَطُلْ ما كانَ مِن أخذٍ ورَدّْ
قرَّرَوا بالأمرِ عَنْ عَزْمٍ وجِدْ
مِنْ عَلى أنقاضِ جُثمانٍ وَجِيفَهْ
تمَّ تتويجُ الخليفَهْ!
وانفضَّ جمعُ المؤتمَرْ
واستغرَبَ النّاسُ الخبَرْ...
عامٌ مَضَى
أو بَعضُ عامْ
والهمسُ في الأنحاءِ قام:
هل يا ترى ضاعَ السَّلامْ؟
حتّى الأبَدْ؟
مَنْ مُرجِعٌ بِيضَ الحَمَامْ؟
أينَ المَدَدْ؟
مَن ذا الذي يأتي بها؟
مِن بَعْدِ طولِ غِيابِها؟
هل مِنْ أحَد؟
هل مِنْ أحَد؟!!!
الشرقية...
هم ابتلوها وقالوا بـأنَّ فيهـا البليَّـة
وكبلوها وشـدّوا قيودَهـا القهريـة
غنيمةً جعلوهـا وسلعـةً وهديّـة...
يا ويحَهم صوّروهـا منبـوذةً سلبيّـة
قالوا: لها نصفُ عقلٍ، فهل تكون ذكيَّة؟
***
ليست كما وصفوها لكونهـا شرقيـة
لكنّهم غيَّبوها عن موكـبِ البشريّـة
واليومَ يُطلَبُ منها أن تدحـرَ الغربيـة
في العلمِ والفهمِ حتى في جوهرِ الحريّـة
***
يا قومُ لا تظلموها وتجعلوهـا ضحيّـة
فـإن فيهـا كنـوزًا وثـروةً وطنيَّـة
واستنهضوها بحثٍّ وحِكمَـةٍ ورويَّـة
ومهّدوا الدَّربَ حتى تسيرَ فيـهِ أبيَّـة
مرفوعةَ الرأسِ فكـرًا وقـدرةً أدَبيَّـة
تجنوا ثمارًا، لعمـري، لذيـذةً وشهيّـة
من يزرع الجهلَ يحصِد بيـادرَ الأميّـة!
فإذا كانَ اللقاء…
لو أباحَ الناسُ لي مِن كلّ مُغرٍ
أيَّ شيءٍ غَيرَها،
ما اخترتُ شيّا ...
غيرَ جُودِ الدهرِ في يومٍ عليّا
مُنصفًا،
لتعودَ مُلهمتي إليّا..
كان قبلَ البُعدِ ممتنِعًا عصيّا
دمعُ عيني،
صار مدرارًا سخيّا،
أرقُبُ النسماتِ
إنْ حَمَلَتْ عبيرًا
مِن شَذاها العذبِ،
أو عِطرًا زكيّا
أضفرُ الكلِماتِ عِقدًا لؤلؤيّا
أجمعُ النَّجماتِ ما بينَ يديّا
ناسجًا حُلَّةَ عيدٍ للقاءٍ
ليسَ كالأعياد،
وضّاحِ المُحيّا،
فإذا كانَ اللقاءُ، بُعَيدَ هَجرٍ،
سوفَ ألبسُها كِساءً سَرمَديّا
رافلاً بالشَّوقِ،
مُزدانًا بحبٍّ
لم يزُرْ مِن قَبلُ قلبًا آدميّا!
صورة
صورةٌ بالصمتِ ترويعن سُويعاتٍ عِـذابِ
عن نعيمٍ صارَ طيفًـاوسرابًا في سـرابِ..
***
هي ذكرى عن هوانـالم تذق مثلـي الهوانـا
خاطبتنـي، ذكرتنـيكل ما بالأمسِ كانا...
***
عاتبتني، كيفَ ضاعتأمنياتُ الحـب منـا
بعدما كنّـا وكانـتقاب قوسيـنِ وأدنـى
***
كيف صانت ما أضعناوهي بعض الشيء عنّا؟
قلتُ: أي هيهياتِ أنّامثلها في الحفظِ كنّا..
***
بينما الصورةُ تـرويوشجون القلبِ ثارت
هبَّت الريـحُ علينـاومع الهبّاتِ طـارت!
بلادي
دموع العين اسكبها
إذا عطشت، واسقيها
دماء القلب أنزفها
سمادا في أراضيها
لتبقى خصبة خضراء
لئلا تبتلى بالقحط والمحل
وأشجار بها شماء
لتبقى صلبة السيقان والأصل
لئلا تنحني للريح أو تكسر
لئلا ترتضي بالذل أو تقهر
بلادي،
أمي الأخرى
وحب بلادي الأكبر
خواطر الميلاد
1- تحية لبيت لحم :
وافى من الشرق القصي ليسجدوا
للطفل في المهد الوديع مجوس
قالوا قدمنا إذ علمنا أن في
هذي الديار سيولد القدوس
في مهد فقر كل عرش دونه
ميلاد خير ترتجيه نفوس
يا بيت لحم اليوم هبي وافرحي
إذ أنت عن دون البلاد عروس
2- صلاة العيد :
رباه علمنا حياة تواضع
وتسامح ومودة وإخاء
رباه يسر خبزنا وكفافنا
حتى تقينا منّة البخلاء
رباه بارك أرضنا وجهودنا
وأزرع بذور الخير في الأنحاء
واجعل علاقات الشعوب ببعضها
دنيا سلام دائم وصفاء.
3- هدية العيد:
يا إخوتي في الأرض يا كل البشر
أحلى الأماني في حلول العيد
في أمسيات العيد كم يحلو السمر
في شرب كاس أو سماع نشيد
الله أسأل أن تظل حياتكم
أيام سعد في ليالٍ غيدِ
هذي تحياتي لكم وهديتي
ضمنتها شعري وصدق قصيدي.
ذات يوم
ذات يوم كان طفل هاهنا
يلهو وطفلة،
كان كل الكون مزمارا وطبلة
ليس إلا!
كان هذا حين كنا برعمين
عابثين...
كان ليل إذ سهرنا
ذات يوم،
قد غفا السمار لكنا بقينا
ساهرين،
كم سهرنا دونما ندري بأنا قد كبرنا
وغدونا ذات ليل عاشقين؟
ذات يوم كانت الدنيا مساء
والتقينا مثلما اعتدنا اللقاء
غير أنا لم نجد شيئا نقول
عقرب الساعات قد مل الدوار
والثواني مثل أجراس المآثم
هل ترانا قد سئمنا ليل أيام الشتاء
فافترقنا
غير ما كنا التقينا
ذات يوم !
صوت يبحث عن صداه
كان شوكا كل دربي عندما الليل اعتراه
غير أني سرت، لم آبه، ولا أصدرت آه...
رحت أمشي في طريقي رغم أني لا أراه،
ذاك إيمانا بأني بالغ يومًا مداه...
أيُّ ليلٍ دون فجرٍ، دونما صبحٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍِِ تلاه ؟
فارقبوا في الأفق فجري، ربّما لاحت رؤاه
أين أصحابي وقد كانوا معي في مبتداه؟
أين من قالوا: تقدّم، ما لنا درب سواه ؟
هالهم ليلٌ وشوكٌ فانثنوا ، وارِفقتاه...
صرت وحدي حيت زاغ الكل في كل اتجاه،
لم يعد ظلّي رفيقي، ما الذي ظلي طواه ؟
ها أنا أوشكتُ، لكن متعبًا، والجسم واه،
ساعدوني خطوةً للفجر، كي نلقى سناه
لم يعد ليلي رهيبًا، لا ولا عادت دُجاه ،
فاجمعوا أشلاءكم يا إخوتي في مُنتهاه،
واخرجوا نستقبل النورَ الذي اشتقنا بهاه...
هل أنا أسمعتُ قومًا هَمّهُم طعم الحياة
أم ترى أصبحت صوتًا طاف بحثًا عن صداه؟
حكايات جدّي
كان جدّي
مثل حاسوبٍ، وأغزر
يحفظ الأشياء عن غيبٍ
فلا يحتاج دفترْ،
يستقي الأخبار من أوثق مصدرْ
ثم يرويها انسيابًا
ليس يعثرْ،
ينبش التاريخ منْ
أيامه الأولى البعيدة
ليس يقرأ
في كتابٍ أو جريدةْ
فهو لم يذهب لكتّابٍ
ولم يعرفْ قراءةْ
وهو درويشٌ وسيمٌ
بالبساطة والبراءةْ
كان جدّي
يتقن التفصيل بالقول الوجيزْ
كان كلّ الحيّ مشغوفًا
بذيّاكَ العجوزْ
ضارب الأمثال حلاّل الرموزْ
لم أزل أذكر منهمْ
جارنا عبد العزيزْ...
كان هذا يستزيد الجد أكثرْ
وهو يطري هاتفًا :
الله أكبرْ
باشتداد البرد في كانونَ
بعد وقد النار في الكانون
كان الجدّ يجمع الجيران حولهْ
ثم يمضي قائلاً ما شاء قولهْ
يقتفيها من أبي زيدٍ وعنترْ
عَبْرَ هولاكو
وتاتارٍ وبَربَرْ
ذات ليل ٍ
قال: يا عبد العزيزْ
دالت الأتراك قبل الانكليزْ
قل لمن يبكي على أطلال خولةْ:
صال جنكيزخان صولةْ،
لم تدم للظلم دولةْ
ولدي
يسألني ولدي عن كمَدي
والجرح النازف في كبدي
يا ولدي، جُرحي موروثٌ
فاحذر ما يورثُ في بلدي
يسألني ولدي عن بلدي
والعَلَمُ الضائع من أمَدِ
يا ولدي عَلمي لم يَبْرَحْ
منتظرًا حلّي من عقدي
يسألني ولدي عن عقدي
عن تلك ال"تنهش في جسدي"
يا ولدي عقدي أنكرُها
كي تخلوَ أنتَ من العقدِ
يسألني ولدي عن جلدي
عن سرِّ الأمل المتَّقد
يا ولدي أمسي مشتعلٌ
نورًا يهديكَ بفجر غدِ
أتوق
أتوق لبقعة في الأرض يهوى شَمْسَها ظِلّيْ
أتوق لقطرة الظلِّ
قبيل الصبح، عند الفجرِ قد عَلَقَتْ
على أوراق لوزتنا
كبلّور النّقا الحر
أتوق لبئر ساح الدارْ،
أتوق لنقطةٍ من ماءِ تلك البئرِ في الحَرِّ
وقيلولةْ
بظلّ التينةِ الخضراءِ في تمّوز أو في آبْ،
أتوق لشُلّة الأصحابْ،
ولقمة "كبةٍْْ نَيّهْ"
وتبّولة
أتوق لعودة الراعي بأغنامهْ
وأنغامه،
وصوت الناي والموّال بعد العصرْ،
أتوق لشطحة في الوعرْ،
أتوق لعودةٍ في العمرْ
لعودِ الحَرثِ والنوْرَجٍْ
وتل القمحِ في البيدرْ...
أتوقُ لليْلنا المُمْطِرْ
وقرصِ الجمرِ في الأوجاقْ
يعانق ركوةَ القهوةْ
بحَبِّ الهالِ في البَكرَجْ
أتوق لجدّتي تروي
أتوق لكلمة حلوةْ
أتوق ل " قربّت تُفْرَجْ"
الأثقال الخفيفة
حين أمسى موطنُ الإنسان للإنسان غُربهْ
حين أفنى في ظلام اللّيلِ نجمُ القطبِ قطبهْ
أدركَ المظلومُ دربهْ
لم يعد بالموتِ يأبهْ
لقمةٌ في الذُّل صعبَهْ
شوكة الأيام حربَهْ
قد تناسى العاشق الولهانُ في الأحداثِ حبَّهْ
مذ غدا تهليلةٌ للطفلِ صوت البندقيَّة
حين تاهت أمّه في الأرض بحثًا عن هويَّةْ
في المتاهات العتيّةْ
وغدا الجاني ضحيّة
في مفاهيم البريةْ
صارت النيران تُصلي في حروف الأبجديةْ
حين يغدو البطش والتنكيل من صلب الوظيفة
والبطولات الشريفة
حين يأبى حاكم إطعام محكوم رغيفه
تصبح الأشعار أشباحا مخيفة
تصبح الكلمات أقوى من قذيفة
تصبح الأثقال أحمالا خفيفة