الصناعات اليدوية الفلسطينية.. صمود رغم الاحتلال
سليمان بشارات
عرفت باسمها الطبيعي..واشتهرت بها المدن، حتى باتت تعرف في كل بقاع المعمورة بها مشكلة بذلك ماركة تجارية مسجلة، أو حتى وصفا يميزها عن الباقي.. عايشها الإنسان منذ القدم، فبنى منها أمجاده وتاريخه ومستقبلة، وتوارثها الأبناء عن الآباء والأحفاد عن الأجداد حتى أصبحت مهنه عائلات دون غيرها.
هذا هو أقل ما يمكن أن نصف به الصناعات والحرف التي اشتهرت بها مدن فلسطين منذ آلاف السنين وما زالت تشتهر بها لتعبر عن صمودها رغم الاحتلال والدمار والخراب.
"الوسطية أون لاين.نت" تذوقت حلاوة الكنافة النابلسية، وغسلت يديها بالصابون النابلسي ذو رائحة عطر زيت الزيتون الصافي، واستدفأت بحرارة نار فرن الزجاج والخزف والفخار الخليلي، ثم استمتعت بشمس الصباح مع أصوات خرير المياه وسط "قش وقصيب" وادي الباذان والأغوار.
هذه الحرف والصناعات وغيرها وإن حاول المحتل أن يجد من الظروف ما يخنقها، ورغم ما عرفه الإنسان من تقدم وازدهار في الإنتاج بفضل التكنولوجيا، إلا أنها بقيت شاهدا على الحضارة والتاريخ الفلسطيني، وكسرت الحدود لتعيش في عالم مفتوح بما اكتسبته من شهره.
الكنافة النابلسية..
تبدأ رحلتنا من بين زقاق البلدة القديمة في مدينة نابلس بالضفة الغربية، حيث تفوح رائحة عطر السوق القديم أو ما يطلق عليه باسم "خان التجار"، وما تلبث إلا أن تسلك طريقا فرعيا كأنك تعرفه بالفطرة تشتم عبره رائحة لا تحتمل أن لا تبحث عن مصدرها..
خطوات قليلة تصل فيها إلى ذلك المحل البسيط والمتواضع في أثاثه، لكنه عريق بتاريخه واسمه، إنه "حلويات الأقصى" حيث أطباق الكنافة بلونها الأحمر الوردي تتصاعد منها ألسنه من البخار المشبع بمحلول القطر السكري.
وبينما يقف الحاج أسعد الشنتير محاولا توجيه العالمين في محلة إلى تلبية طلبات زبائنه من المواطنين الفلسطينيين والسائحين الأجانب، يشاطرنا الحديث قائلاً: تاريخ الكنافة من تاريخ نابلس، لا تستطيع أن تفصل كل منهما عن الأخرى، منذ أن ولدت وأنا اعرف الكنافة، ووالدي رحمه الله كان يعدها دائما للبيع وكذلك يعدها لنا في البيت.
ويستطرد الحاج الشنتير بالقول :الكتب التاريخية بعض منها يعيد تاريخ الكنافة إلى عهد معاوية بن أبي سفيان، وبعضها يعيده إلى العهد الفاطمي، فهي تاريخ أمه إذا ما أردنا الحديث عنها.
وعن طبيعة المحطات التي سجلت بتاريخ صناعة الكنافة النابلسية يقول الشنتير، الذي يملك أقدم وأشهر محل صناعة كنافة في مدينة نابلس وربما في فلسطين :ما تغير في صناعة الكنافة منذ القدم حتى اليوم هو إجراء بعض التحسينات والمقبلات التي تضيف طعما أفضل وأجمل ويلاقي قبول المواطن، فمثلا هناك شكلين للكنافة منها ما هو مطحون ويطلق عليه بالعامية "بالكنافة الناعمة" وهو ما عرف قديما وما زال حتى أيامنا هذه، والشكل الآخر هو المعروف بالكنافة "المبرومة" "كنافة الشعر" وتكون فيها العجينة على شكل حبال رفيه وطويلة يتم لفها على شكل اسطواني.
ويتابع :كما أن طبيعة الحشوة التي توضع بداخل الكنافة تعددت أشكالها، فالبعض يضع المكسرات، إلا أن ما تشتهر به الكنافة النابلسية وما يميزها هو استخدام الجبن في داخلها وهو ما يمنحها المذاق المميز.
ومع تطور التكنولوجيا واستخدام الآلات يقول الحاج الشنتير: عجينة الكنافة كانت تعد على الأيدي أم الآن فبات استخدام الآلات تساعد في إعدادها لاسيما العجينه ذات الحبال الطويلة والرفيعة، كما أن طريقة شوي الكنافة كانت تتم عبر نار توقد من الفحم، أما الآن فيتم استخدام الغاز في ذلك، لكن رغم ذلك حافظت على اسمها ومذاقها.
الصابون النابلسي..
ونبقى بين زقاق البلدة القديمة في مدينة نابلس.. هذه البلدة التي سطرت بتاريخها الكثير من القصص والحكايات عبر الزمان، وهذه المرة سنحاول أن ننعش أجسامنا برائحة الصابون النابلسي الذي تمتزج رائحته برائحة زيت الزيتون الطبيعي.
أمام صبانة "البدر" يجلس الحاج معاذ ماجد النابلسي في العقد السادس من عمره شارد الذهن ليفكر مليا في الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها تطوير صناعة الصابون النابلسي.. نشاطره المكان ونتبادل معه حكاية هذه الصناعة وتاريخها، حيث يبدأ بالحديث قائلاً :صناعة الصابون النابولسي من الصناعات الأساسية في فلسطين وأحد أهم سبب نشأتها هو توفر زيت الزيتون بكميات كبيرة جدا في هذه البقعة الجغرافية في العالم كون زيت الزيتون هو المادة الأساسية لهذه الصناعة لذا كان من السهل القيام بذلك.
وبعبارات يحاول من خلالها أخذنا لتاريخ الصناعة يقول :بحسب التاريخ العائلي لعائلتي التي اشتهرت بهذه الصناعة، فإنه يمكن القول أن هذه الصناعة بدأت منذ ما يقارب 1850 عاماً، وهناك مقولات تؤكد أنها قبل ذلك بكثير. حيث أصبح لها تاريخها ووصفها وشهرتها في المنطقة بشكل عام.
وحول مراحل تطور هذه الصناعة، يقول النابلسي :مرت صناعة الصابون خلال التاريخ بعدة مراحل، فالمرحلة الأولى وهي المرحلة التي كان يصنع فيها الصابون من زيت الزيتون والقلي (جذور عشبة صحراوية) بالإضافة إلى مادة الجير (الشيد). وكانت تمر عملية الإنتاج هذه عبر عملية تتكون من 40 خطوة تتم في فترة زمنية قد تصل ما بين الأسبوع إلى 10 أيام.
وكان تستخدم في هذه المرحلة بشكل أساس الأدوات الخشبية المصنعة من قبل الحرفيين للتلائم وعمليات الإنتاج في المراحل المختلفة.
أم المرحلة الثانية فيصفها الحاج النابلسي بمرحلة انطلاق الثورة الصناعية، حيث بدأ باستبدال مادة القلي الطبيعية بمادة الصويا الكاوية الحمضية التي يتم استيرادها، وتقلصت مراحل عملية الإنتاج من 40 مرحلة لتصبح ما يقارب 30 مرحلة في فترة زمنية تقلصت إلى سبع أيام.
في حين تمثلت المرحلة الثالثة مع بداية السبعينات حيث بدأت تنتقل عملية الإنتاج إلى استخدام الخلاط الآلي واستخدام المضخات الآلية وعمليات الغلي باستخدام الديزل وبذلك تقلصت عملية الإنتاج لتتم في ويم واحد فقط ويتم الحصول فيها على نفس الإنتاج وبنفس الكفاءة والخصائص.
إلا أن الحاج النابلسي استدرك اثناء حديثة في مراحل التطور إلى القول أن هناك أصبحت بعض الصبانات تستخدم الزيت المستورد بدل من زيت الزيتون الطبيعي، وعلى الرغم أنه يعطي منتوج ذو قيمة جيدة إلا أن استخدام زيت الزيتون الطبيعي يبقى هو الأفضل في جعل هذه الصناعة تحافظ على جودتها التي عرفت بها منذ القدم.
وحول المرحلة الأخيرة من مراحل التطور في صناعة الصابون يشير النابولسي إلى المرحلة الحالية وهي مرحلة تعدد أشكال الصابون من حيث حجم القطعة وشكلها ليتناسب مع الأسواق وينافس الصابون المصنع آليا والمستورد، وكذلك الصابون السائل.
الزجاج والخزف الخليلي..
ومن شمال الضفة تنقلنا الحضارة والتاريخ في الصناعات الفلسطينية إلى الخليل جنوب الضفة، تلك البقعة الجغرافية التي اشتهرت بتضاريسها الجبلية وهو ما انعكس على حياة أهلها وساكنيها، وما انعكس أيضا على طبيعة الصناعات التي اشتهرت بها، حيث اشتهرت مدينة الخليل بصناعة الزجاج والخزف والفخار، إلى جانب العديد من الصناعات الأخرى مثل صباغة الجلود وصناعة الأحذية كون أهلها اشتهروا أيضا بتربية الماشية والحيوانات.
وسنركز في جولتنا هذه على صناعة الزجاج والخزف التي أخذت الطابع الأكثر ورسمت عبر ما يقارب 350 عاماً ماضية تاريخ عائلات فلسطينية في مدينة الخليل.
يقول حمزة النتشة المسئول عن عملية التسويق والعلاقات التجارية الخارجية في مصنع النتشه للزجاج والخزف : لا أستطيع أن أضع تاريخا محددا لهذه الصناعات، لكنني ما أسمعه عن والدي وما أشاهده من صور موجودة داخل المصنع لجدي وهو يعمل في هذا المجال يشير إلى أن هذه الصناعة تعود إلى ما يقرب 350 عاماً، ربما أكثر أو أقل، لكنها ذات تاريخ ممتد في هذه المدينة.
وفي تبادل للحديث ينقلنا حمزة إلى أبرز المراحل التي عرفتها هذه الصناعة في مدينة الخليل، حيث يشير إلى أن هناك بعض الكتب ترجح أن هذه الصناعة أخذت عن الأتراك الذين كانوا يتواجدون في هذه المنطقة، وقد اشتهرت بها 3 عائلات في الخليل وهي عائلة القواسمي وعائلة الفراح وعائلة النتشة، إلا أنه مع مرور الزمن بقيت عائلة النتشة وحدها حتى الحاضر من يعمل في مجال هذه الصناعة.
وكما هو المعروف في باقي الصناعات في المدينة، فقد اتخذ العاملون بصناعة الزجاج والخزف أحد الحارات التي باتت يطلق عليها أسم "حارة القزازيين".
وفي مراحلها الأولى كان الاهتمام في الصناعة على تجهيزات الزينة للعرسان، بالإضافة إلى صناعة الأدوات والأواني المنزلية، إلا أنها بعد ذالك أخذت تمتد لتشمل الصناعات السياحية، ومن ثم التصدير للخارج.
وحول مراحل التطور في عملية الإنتاج يشير النتشة أنه حفاظا على التاريخ التراثي لهذه الصناعة مازال حتى الوقت الحاضر استخدام الأدوات التقليدية اليدوية في عملية الإنتاج والتشكيل باستثناء عملية الحرق والشوي داخل الفرن الذي بات يستعمل فيها بدل الحطب والفحم المواد المشتعلة التي تستخرج من البترول والزيوت والأخرى.
وانتقلت مرحلة تلوين الزجاج من استخدام الألوان البسيطة (الأزرق والكحلي)، إلى اللون الفينيقي وهو الذي ينتج عن مزج عدد من الألوان مع بعضها البعض، وهذا ما تم ابتكاره مؤخراً من قبل العاملين في المصنع.
القش والقصيب الغوري..
ومن جبال الخليل جنوباً تعود بنا حضارة الصناعات والحرف الفلسطينية إلى مناطق الوسط حيث محافظات الأغوار التي تغمرها رائحة زهر البرتقال في الربيع، وتتلون أرضها باللون الأصفر في الصيف حيث موعد حصاد القمح.
ووسط هذه الأجواء ومع أصوات خرير المياه تزين عشرات من السلال والأشكال الدائرية المصنوعة من القش ونبات القصيب (نبته تنمو بكثرة قرب جداول المياه) محاولة اجتذاب أنظار المارين بمركباتهم عبر الشارع الرئيس الذي تقع عليه منطقة وادي الباذان.
ويشير محمد صلاحات صاحب أحد محال البيع إلى أن هذه الصناعة اشتهرت بها محافظات الأغوار منذ القدم وذلك لطبيعتها الزراعية، حيث يزرع القمح سنويا بفصل الشتاء بمساحات شاسعة، وعند الحصاد في الصيف يتم استخراج سيقانه واستخدامها في عملية صناعة السلال والصواني الدائرية. أما القصيب فهي نبته تنتشر بكثرة على ضفاف الأماكن التي تتوفر فيها مياه باستمرار وهي بالتحديد في منطقة وادي الباذان، ويقوم الكثيرين بقطعه بعد أن ينمو بشكل جيد، ويتم العمل على صناعة أشكال مختلفة منه.
ويوضح صلاحات أن هذه الصناعة تجتذب الكثير من السياح الداخليين والسياح الخارجيين لما تمنهم من مناظر جميلة توضع في بيوتهم على أنها زخارف ولوحات فنية ودليل على الحضارة الفلسطينية.
ويتابع عبر السنين تم استخدام الألوان للقيام بعملية صباغة القش والقصيب بحيث يتم إنتاج أشكال عديدة تحمل فيها لوحة ألوان جميلة، وخلال السنوات السابقة وبالتحديد قبل انطلاقة الانتفاضة الحالية وقبل فرض القيود الصعبة من قبل الاحتلال فقد كان يتم إنتاج كميات كبيرة من السلال وتصديرها إلى الأردن وبعض البلدان الآخرى.
علامة تجارية مميزه..
الشهرة التي اكتسبتها الصناعات الفلسطينية جعلتها تصل إلى مرحلة العلامة التجارية المسجلة ليس على المستوى المحلي أو الوطني، بل على المستوى العربي والإسلامي والعالمي، ويوضح حمزة النتشة ذلك بالقول : أصحاب الصناعات الفلسطينية كالصابون والزجاج وغيرها باتوا يعتمدون الآن وبشكل أساس في تسويق منتجاتهم على ما اكتسبته هذه الصناعات من أسم وشهره على جميع المستويات بما فيها المستوى العالمي.
حيث تشكل السوق العالمية أكبر مستوعب لهذه المنتجات إذا ما قارنا ذلك بما يستوعبه السوق المحلي الذي بات عاجزاً عن استيعاب الكثير لعدة أسباب منها طبيعة الواقع الاقتصادي المتراجع بسبب الاحتلال، وأيضا نتيجة انخفاض سعر البضائع المستوردة لتتلاءم مع إمكانيات المواطن البسيطة.
ويضيف :سنويا نحاول أن نشارك في معرض التسويق العالمية بالصناعات الوطنية حتى نفتح لها أسواقا خارجيا تمكنها من الصمود المستقبلي في وجه التضخم في الصناعات الأخرى، ونحن الآن بتنا نصدر ما نسبته 90% من منتجاتنا إلى الخارج سواء الدول العربية أو الأوروبية وامريكيا.
أما الحاج الشنتير فيصف الكنافة النابلسية بمثابة هدية العزيز، فكل شخص يرغب بالسفر إلى خارج فلسطين يصطحب معه كنافة يهديها إلى من هم أعز أحبابه وأهله في الخارج، وبات اليوم ينتشر في العديد من الدول العربية والغربية محالات كنافة تعرف بـ"الكنافة النابلسية" وذلك للشهرة الكبيرة التي حققتها على مدار السنوات الماضية.
وهو الحال أيضا مع الصابون النابلسي الذي بات يعرف باسمه في أغلب دول العالم، وهو ما يدفع العديد من المتطوعين الأجانب عند قدومهم إلى فلسطين الذهاب لزيارة الصبانات والتعرف على طريقة صناعة الصابون.
الدخل المحلي..
تاريخ الصناعات الفلسطينية حمل في دفاتره الضمانات لحياة الإنسان العادي الذي يسعى منذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء باحثا عن لقمة عيشه، وعلى الرغم مما قد يعتقده البعض أن العمل في هذه الصناعات لا يجدي في ظل التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي إلا أن الواقع يثبت العكس، هذا ما أخبرنا به الحاج معاذ النابلسي صاحب صبانه "البدر".
ويضيف :صناعة الصابون منذ القدم كانت تعتبر القاعدة الأساس للاقتصاد الوطني، ومكان الائتمان للمزارع والتاجر والمواطن، فالمزارع الذي يبيع الزيت للصبانه كان يضمن أن يسوق زيته بالسعر الحقيقي، وبنفس الوقت التاجر يحصل على منتوج يعرف جودته فيبيعه بأفضل الطرق، والمواطن كان يجد مكان يوفر له الشغل اليومي الذي يقتات منه وأسرته.
وفي محاولة منه إلى التوضيح أكثر، يقول الحاج النابلسي: أغلب العائلات النابلسية كانت تشكل لها صناعة الصابون مشروع الاستثمار، فقد كانت تعتمد هذه الصناعة على التصدير للخارج فما مجمله 80 -90% من الإنتاج كان يصدر إلى الأردن ودول الخليج العربي والسعودية وإلى العديد من الدول الغربية مثل أمريكا وغيرها.
من جانبه يشير محمد سلهب الذي صاحب صبانه القمحاوي أن الإنتاج الشهري من الصابون يبلغ نحو 15 طناً شهريا يتم تصدير غالبيته للخارج، ويبلغ عدد العاملين في الصبانه كحد أدنى يومياً 15 عاملاً، فيما يزداد العدد في الأيام التي يكون فيها الإنتاج المطلوب أكثر.
وهذا ما يتفق مع ما قاله لطفي قاطوني الذي يعمل مشرفا في صبانه المصري، حيث يشير إلى أن العمل في صناعة الصابون يفتح المجال أمام الكثير من قطاعات الشعب التي لا تحمل شهادات علمية ولم تتمكن بسبب الظروف العمل بالوظائف الرسمية، فالعمل في صناعة الصابون يشكل "وظيفة وظنية" تمكنه من توفير مصدر دخل مستمر لأفراد أسرة من يعملون في هذه الصناعة.
ويتابع بالقول :في ظل الإغلاق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وفي ظل حرمانه من ممارسة عمله كما كان من قبل فقد أصبح العمل في هذه الصناعة هو الخيار الأفضل أمام المواطن حيث تساهم في استمرار حياته من خلال توفير أساسيات العيش الكريم.
بدوره يشير حمزة النتشة إلى أن صناعة الزجاج والخزف كانت تشكل مصدراً أساسيا للدخل الفلسطيني من خلال استقطاب السائحين الأجانب حيث كانت غالبية المنتجات تباع داخل المصنع لكثرة رواده اليوميين.
ويوضح أمجد النمر، مشرف قسم العلاقات العامة والدراسات في غرفة تجارة وصناعة نابلس، إلى أنه خلال العام 2007 بلغت مجمل صادرات الصابون النابلسي إلى الدول العربية 853 ألف دولار، إضافة إلى مبلغ ربما يوازيه أو أقل بقليل إلى الدول الغربية وأوروبا.
صعاب وتحديات..
ورغم ما تعنيه الصناعات الفلسطينية للمواطن الفلسطيني من تاريخ وحضارة، فإنه بات يخشى أن يتم ضياع هذه الحضارة نتيجة الصعاب والمعوقات التي تقف أمام ازدهار مثل هذه الصناعات، وهو ما دفع بالعديدين إلى التوقف المرحلي منتظرين أن تزول هذه الصعاب من أمامهم ليعاودوا نشاطهم الإنتاجي من جديد.
ويشير أمجد النمر إلى أنه لم يتبق الآن في مدينة نابلس إلا نحو 5 صبانات من اصل نحو 40 صبانه، وهذا السبب يعود بشكل مباشر إلى عدة عوامل وأسباب كما يراها القائمون على هذه الصبانات.
ويتمثل السبب الرئيس إلى طبيعة الإغلاق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على المدن الفلسطينية وبالتحديد على مدينة نابلس منذ ما يقارب 7 سنوات، وهو ما يشكل عائقا أمام دخول المواطنين من باقي المحافظات للمدينة وكذلك توزيع المنتوج على المحافظات الأخرى، كما أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف بشكل مباشر بعض الصبانات وقام بهدمها أثناء الاجتياحات للمدن الفلسطينية.
أما العامل الآخر فيتمثل في طبيعة غزو البضائع المستوردة للسوق المحلي بأسعار رخيصة جداً وهو ما جعل المواطن يلجأ إلى شرائها والبعد عن المنتج المحلي على الرغم من جودته العالية إذا ما قورن بالمنتج المستورد.
أما العامل الثالث فيتمثل كمال يقول محمد سلهب صاحب صبانة المصري في الرسوم والجمارك التي تفرض على المنتجات المحلية التي تصدر إلى الخارج، إضافة إلى عدم وجود اتحاد فلسطيني فعال يقف إلى جانب أصحاب هذه الصناعات.
ولا يختلف الحال في مدينة الخليل، فيشير حمزة النتشه إلى أن عائلة النتشه هي الوحيدة التي ما زالت تمتلك مصنعا لصناعة الزجاج والخزف في المقابل أقفل المصنعين الآخرين ابوابهما انتظارا بتحسن الأوضاع المحلية لما كان عليه من قبل.
ويوضح النتشه إلى أن عدم وجود خطه وطنية شاملة في دعم الصناعات الوطنية هو السبب الرئيس وراء ذلك، وهذا ما يجعل كل مصنع أن يسوق لنفسه وفقا لخبرته والطاقة المالية والبشرية المتوفرة لديه، وهو ما يجعل الأمر صعب للقائمين على هذه الصناعات.
طموح رغم الصعاب…
ورغم الصعاب والمعوقات التي تقف أمام الصناعات الفلسطينية إلا أن القائمين عليها يتطلعون إلى إعادة هذه الصناعات إلى مجدها لاسيما أنها تتمتع بمميزات عديدة منها الجودة والعلامة التجارية التي تميزها عن باقي المنتجات.
وهذا ما يوضحه الحاج معاذ النابلسي قائلاً: أنا الآن أقوم بعمليات اختبار وتجارب لبعض الآلات التي صنعتها شخصياً من أجل صناعة صابون يتناسب وطبيعة السوق الحالي وطلبات المستهلكين، فأنا عندي بالبيت غرفة أعددتها على أنها مختبرا لمثل هذه التجارب، وقد تمكنت من إيجاد آله تعمل على إخراج قطع الصابون بأشكال مختلفة تناسب أذواق المواطنين.
ويتابع بالقول: كما أنني بدأت بإنتاج الصابون النابلسي السائل ذو الكفاءة والجودة العالية لينافس الشامبو الذي يباع بالأسواق. إضافة إلى ذلك بدأت أجري بعض التجارب على إدخال الروائح والألوان الأخرى على الصابون النابلسي كما هو في باقي الصابون المروج بالأسواق.
كما يهتم الحاج النابلسي في التسويق الإلكتروني من خلال الموقع الإلكتروني الذي بدأ بإعداده من أجل اجتذاب المواطنين والسياح الأجانب، إضافة إلى فتح آفاق في السوق العالمية.
وهذا أيضا ما يقوم به مصنع النتشة للزجاج والخزف الذي بات يعتمد على العلاقات الخارجية في التجارة من خلال الترويج الإلكتروني لمنتجاته.
من جانبه يشير أمجد النمر إلى أن غرفة تجارة وصناعة نابلس تحاول أن تساعد من خلال فتح أفق تجاري أوسع لتصدير هذه المنتجات إلى الخارج.
لكن ورغم ذلك كله يبقى السؤال المطروح هو في كيف يمكن لنا أن نحافظ على هذه الصناعات الوطنية التي تجسد الحضارة الفلسطينية؟
سليمان بشارات
عرفت باسمها الطبيعي..واشتهرت بها المدن، حتى باتت تعرف في كل بقاع المعمورة بها مشكلة بذلك ماركة تجارية مسجلة، أو حتى وصفا يميزها عن الباقي.. عايشها الإنسان منذ القدم، فبنى منها أمجاده وتاريخه ومستقبلة، وتوارثها الأبناء عن الآباء والأحفاد عن الأجداد حتى أصبحت مهنه عائلات دون غيرها.
هذا هو أقل ما يمكن أن نصف به الصناعات والحرف التي اشتهرت بها مدن فلسطين منذ آلاف السنين وما زالت تشتهر بها لتعبر عن صمودها رغم الاحتلال والدمار والخراب.
"الوسطية أون لاين.نت" تذوقت حلاوة الكنافة النابلسية، وغسلت يديها بالصابون النابلسي ذو رائحة عطر زيت الزيتون الصافي، واستدفأت بحرارة نار فرن الزجاج والخزف والفخار الخليلي، ثم استمتعت بشمس الصباح مع أصوات خرير المياه وسط "قش وقصيب" وادي الباذان والأغوار.
هذه الحرف والصناعات وغيرها وإن حاول المحتل أن يجد من الظروف ما يخنقها، ورغم ما عرفه الإنسان من تقدم وازدهار في الإنتاج بفضل التكنولوجيا، إلا أنها بقيت شاهدا على الحضارة والتاريخ الفلسطيني، وكسرت الحدود لتعيش في عالم مفتوح بما اكتسبته من شهره.
الكنافة النابلسية..
تبدأ رحلتنا من بين زقاق البلدة القديمة في مدينة نابلس بالضفة الغربية، حيث تفوح رائحة عطر السوق القديم أو ما يطلق عليه باسم "خان التجار"، وما تلبث إلا أن تسلك طريقا فرعيا كأنك تعرفه بالفطرة تشتم عبره رائحة لا تحتمل أن لا تبحث عن مصدرها..
خطوات قليلة تصل فيها إلى ذلك المحل البسيط والمتواضع في أثاثه، لكنه عريق بتاريخه واسمه، إنه "حلويات الأقصى" حيث أطباق الكنافة بلونها الأحمر الوردي تتصاعد منها ألسنه من البخار المشبع بمحلول القطر السكري.
وبينما يقف الحاج أسعد الشنتير محاولا توجيه العالمين في محلة إلى تلبية طلبات زبائنه من المواطنين الفلسطينيين والسائحين الأجانب، يشاطرنا الحديث قائلاً: تاريخ الكنافة من تاريخ نابلس، لا تستطيع أن تفصل كل منهما عن الأخرى، منذ أن ولدت وأنا اعرف الكنافة، ووالدي رحمه الله كان يعدها دائما للبيع وكذلك يعدها لنا في البيت.
ويستطرد الحاج الشنتير بالقول :الكتب التاريخية بعض منها يعيد تاريخ الكنافة إلى عهد معاوية بن أبي سفيان، وبعضها يعيده إلى العهد الفاطمي، فهي تاريخ أمه إذا ما أردنا الحديث عنها.
وعن طبيعة المحطات التي سجلت بتاريخ صناعة الكنافة النابلسية يقول الشنتير، الذي يملك أقدم وأشهر محل صناعة كنافة في مدينة نابلس وربما في فلسطين :ما تغير في صناعة الكنافة منذ القدم حتى اليوم هو إجراء بعض التحسينات والمقبلات التي تضيف طعما أفضل وأجمل ويلاقي قبول المواطن، فمثلا هناك شكلين للكنافة منها ما هو مطحون ويطلق عليه بالعامية "بالكنافة الناعمة" وهو ما عرف قديما وما زال حتى أيامنا هذه، والشكل الآخر هو المعروف بالكنافة "المبرومة" "كنافة الشعر" وتكون فيها العجينة على شكل حبال رفيه وطويلة يتم لفها على شكل اسطواني.
ويتابع :كما أن طبيعة الحشوة التي توضع بداخل الكنافة تعددت أشكالها، فالبعض يضع المكسرات، إلا أن ما تشتهر به الكنافة النابلسية وما يميزها هو استخدام الجبن في داخلها وهو ما يمنحها المذاق المميز.
ومع تطور التكنولوجيا واستخدام الآلات يقول الحاج الشنتير: عجينة الكنافة كانت تعد على الأيدي أم الآن فبات استخدام الآلات تساعد في إعدادها لاسيما العجينه ذات الحبال الطويلة والرفيعة، كما أن طريقة شوي الكنافة كانت تتم عبر نار توقد من الفحم، أما الآن فيتم استخدام الغاز في ذلك، لكن رغم ذلك حافظت على اسمها ومذاقها.
الصابون النابلسي..
ونبقى بين زقاق البلدة القديمة في مدينة نابلس.. هذه البلدة التي سطرت بتاريخها الكثير من القصص والحكايات عبر الزمان، وهذه المرة سنحاول أن ننعش أجسامنا برائحة الصابون النابلسي الذي تمتزج رائحته برائحة زيت الزيتون الطبيعي.
أمام صبانة "البدر" يجلس الحاج معاذ ماجد النابلسي في العقد السادس من عمره شارد الذهن ليفكر مليا في الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها تطوير صناعة الصابون النابلسي.. نشاطره المكان ونتبادل معه حكاية هذه الصناعة وتاريخها، حيث يبدأ بالحديث قائلاً :صناعة الصابون النابولسي من الصناعات الأساسية في فلسطين وأحد أهم سبب نشأتها هو توفر زيت الزيتون بكميات كبيرة جدا في هذه البقعة الجغرافية في العالم كون زيت الزيتون هو المادة الأساسية لهذه الصناعة لذا كان من السهل القيام بذلك.
وبعبارات يحاول من خلالها أخذنا لتاريخ الصناعة يقول :بحسب التاريخ العائلي لعائلتي التي اشتهرت بهذه الصناعة، فإنه يمكن القول أن هذه الصناعة بدأت منذ ما يقارب 1850 عاماً، وهناك مقولات تؤكد أنها قبل ذلك بكثير. حيث أصبح لها تاريخها ووصفها وشهرتها في المنطقة بشكل عام.
وحول مراحل تطور هذه الصناعة، يقول النابلسي :مرت صناعة الصابون خلال التاريخ بعدة مراحل، فالمرحلة الأولى وهي المرحلة التي كان يصنع فيها الصابون من زيت الزيتون والقلي (جذور عشبة صحراوية) بالإضافة إلى مادة الجير (الشيد). وكانت تمر عملية الإنتاج هذه عبر عملية تتكون من 40 خطوة تتم في فترة زمنية قد تصل ما بين الأسبوع إلى 10 أيام.
وكان تستخدم في هذه المرحلة بشكل أساس الأدوات الخشبية المصنعة من قبل الحرفيين للتلائم وعمليات الإنتاج في المراحل المختلفة.
أم المرحلة الثانية فيصفها الحاج النابلسي بمرحلة انطلاق الثورة الصناعية، حيث بدأ باستبدال مادة القلي الطبيعية بمادة الصويا الكاوية الحمضية التي يتم استيرادها، وتقلصت مراحل عملية الإنتاج من 40 مرحلة لتصبح ما يقارب 30 مرحلة في فترة زمنية تقلصت إلى سبع أيام.
في حين تمثلت المرحلة الثالثة مع بداية السبعينات حيث بدأت تنتقل عملية الإنتاج إلى استخدام الخلاط الآلي واستخدام المضخات الآلية وعمليات الغلي باستخدام الديزل وبذلك تقلصت عملية الإنتاج لتتم في ويم واحد فقط ويتم الحصول فيها على نفس الإنتاج وبنفس الكفاءة والخصائص.
إلا أن الحاج النابلسي استدرك اثناء حديثة في مراحل التطور إلى القول أن هناك أصبحت بعض الصبانات تستخدم الزيت المستورد بدل من زيت الزيتون الطبيعي، وعلى الرغم أنه يعطي منتوج ذو قيمة جيدة إلا أن استخدام زيت الزيتون الطبيعي يبقى هو الأفضل في جعل هذه الصناعة تحافظ على جودتها التي عرفت بها منذ القدم.
وحول المرحلة الأخيرة من مراحل التطور في صناعة الصابون يشير النابولسي إلى المرحلة الحالية وهي مرحلة تعدد أشكال الصابون من حيث حجم القطعة وشكلها ليتناسب مع الأسواق وينافس الصابون المصنع آليا والمستورد، وكذلك الصابون السائل.
الزجاج والخزف الخليلي..
ومن شمال الضفة تنقلنا الحضارة والتاريخ في الصناعات الفلسطينية إلى الخليل جنوب الضفة، تلك البقعة الجغرافية التي اشتهرت بتضاريسها الجبلية وهو ما انعكس على حياة أهلها وساكنيها، وما انعكس أيضا على طبيعة الصناعات التي اشتهرت بها، حيث اشتهرت مدينة الخليل بصناعة الزجاج والخزف والفخار، إلى جانب العديد من الصناعات الأخرى مثل صباغة الجلود وصناعة الأحذية كون أهلها اشتهروا أيضا بتربية الماشية والحيوانات.
وسنركز في جولتنا هذه على صناعة الزجاج والخزف التي أخذت الطابع الأكثر ورسمت عبر ما يقارب 350 عاماً ماضية تاريخ عائلات فلسطينية في مدينة الخليل.
يقول حمزة النتشة المسئول عن عملية التسويق والعلاقات التجارية الخارجية في مصنع النتشه للزجاج والخزف : لا أستطيع أن أضع تاريخا محددا لهذه الصناعات، لكنني ما أسمعه عن والدي وما أشاهده من صور موجودة داخل المصنع لجدي وهو يعمل في هذا المجال يشير إلى أن هذه الصناعة تعود إلى ما يقرب 350 عاماً، ربما أكثر أو أقل، لكنها ذات تاريخ ممتد في هذه المدينة.
وفي تبادل للحديث ينقلنا حمزة إلى أبرز المراحل التي عرفتها هذه الصناعة في مدينة الخليل، حيث يشير إلى أن هناك بعض الكتب ترجح أن هذه الصناعة أخذت عن الأتراك الذين كانوا يتواجدون في هذه المنطقة، وقد اشتهرت بها 3 عائلات في الخليل وهي عائلة القواسمي وعائلة الفراح وعائلة النتشة، إلا أنه مع مرور الزمن بقيت عائلة النتشة وحدها حتى الحاضر من يعمل في مجال هذه الصناعة.
وكما هو المعروف في باقي الصناعات في المدينة، فقد اتخذ العاملون بصناعة الزجاج والخزف أحد الحارات التي باتت يطلق عليها أسم "حارة القزازيين".
وفي مراحلها الأولى كان الاهتمام في الصناعة على تجهيزات الزينة للعرسان، بالإضافة إلى صناعة الأدوات والأواني المنزلية، إلا أنها بعد ذالك أخذت تمتد لتشمل الصناعات السياحية، ومن ثم التصدير للخارج.
وحول مراحل التطور في عملية الإنتاج يشير النتشة أنه حفاظا على التاريخ التراثي لهذه الصناعة مازال حتى الوقت الحاضر استخدام الأدوات التقليدية اليدوية في عملية الإنتاج والتشكيل باستثناء عملية الحرق والشوي داخل الفرن الذي بات يستعمل فيها بدل الحطب والفحم المواد المشتعلة التي تستخرج من البترول والزيوت والأخرى.
وانتقلت مرحلة تلوين الزجاج من استخدام الألوان البسيطة (الأزرق والكحلي)، إلى اللون الفينيقي وهو الذي ينتج عن مزج عدد من الألوان مع بعضها البعض، وهذا ما تم ابتكاره مؤخراً من قبل العاملين في المصنع.
القش والقصيب الغوري..
ومن جبال الخليل جنوباً تعود بنا حضارة الصناعات والحرف الفلسطينية إلى مناطق الوسط حيث محافظات الأغوار التي تغمرها رائحة زهر البرتقال في الربيع، وتتلون أرضها باللون الأصفر في الصيف حيث موعد حصاد القمح.
ووسط هذه الأجواء ومع أصوات خرير المياه تزين عشرات من السلال والأشكال الدائرية المصنوعة من القش ونبات القصيب (نبته تنمو بكثرة قرب جداول المياه) محاولة اجتذاب أنظار المارين بمركباتهم عبر الشارع الرئيس الذي تقع عليه منطقة وادي الباذان.
ويشير محمد صلاحات صاحب أحد محال البيع إلى أن هذه الصناعة اشتهرت بها محافظات الأغوار منذ القدم وذلك لطبيعتها الزراعية، حيث يزرع القمح سنويا بفصل الشتاء بمساحات شاسعة، وعند الحصاد في الصيف يتم استخراج سيقانه واستخدامها في عملية صناعة السلال والصواني الدائرية. أما القصيب فهي نبته تنتشر بكثرة على ضفاف الأماكن التي تتوفر فيها مياه باستمرار وهي بالتحديد في منطقة وادي الباذان، ويقوم الكثيرين بقطعه بعد أن ينمو بشكل جيد، ويتم العمل على صناعة أشكال مختلفة منه.
ويوضح صلاحات أن هذه الصناعة تجتذب الكثير من السياح الداخليين والسياح الخارجيين لما تمنهم من مناظر جميلة توضع في بيوتهم على أنها زخارف ولوحات فنية ودليل على الحضارة الفلسطينية.
ويتابع عبر السنين تم استخدام الألوان للقيام بعملية صباغة القش والقصيب بحيث يتم إنتاج أشكال عديدة تحمل فيها لوحة ألوان جميلة، وخلال السنوات السابقة وبالتحديد قبل انطلاقة الانتفاضة الحالية وقبل فرض القيود الصعبة من قبل الاحتلال فقد كان يتم إنتاج كميات كبيرة من السلال وتصديرها إلى الأردن وبعض البلدان الآخرى.
علامة تجارية مميزه..
الشهرة التي اكتسبتها الصناعات الفلسطينية جعلتها تصل إلى مرحلة العلامة التجارية المسجلة ليس على المستوى المحلي أو الوطني، بل على المستوى العربي والإسلامي والعالمي، ويوضح حمزة النتشة ذلك بالقول : أصحاب الصناعات الفلسطينية كالصابون والزجاج وغيرها باتوا يعتمدون الآن وبشكل أساس في تسويق منتجاتهم على ما اكتسبته هذه الصناعات من أسم وشهره على جميع المستويات بما فيها المستوى العالمي.
حيث تشكل السوق العالمية أكبر مستوعب لهذه المنتجات إذا ما قارنا ذلك بما يستوعبه السوق المحلي الذي بات عاجزاً عن استيعاب الكثير لعدة أسباب منها طبيعة الواقع الاقتصادي المتراجع بسبب الاحتلال، وأيضا نتيجة انخفاض سعر البضائع المستوردة لتتلاءم مع إمكانيات المواطن البسيطة.
ويضيف :سنويا نحاول أن نشارك في معرض التسويق العالمية بالصناعات الوطنية حتى نفتح لها أسواقا خارجيا تمكنها من الصمود المستقبلي في وجه التضخم في الصناعات الأخرى، ونحن الآن بتنا نصدر ما نسبته 90% من منتجاتنا إلى الخارج سواء الدول العربية أو الأوروبية وامريكيا.
أما الحاج الشنتير فيصف الكنافة النابلسية بمثابة هدية العزيز، فكل شخص يرغب بالسفر إلى خارج فلسطين يصطحب معه كنافة يهديها إلى من هم أعز أحبابه وأهله في الخارج، وبات اليوم ينتشر في العديد من الدول العربية والغربية محالات كنافة تعرف بـ"الكنافة النابلسية" وذلك للشهرة الكبيرة التي حققتها على مدار السنوات الماضية.
وهو الحال أيضا مع الصابون النابلسي الذي بات يعرف باسمه في أغلب دول العالم، وهو ما يدفع العديد من المتطوعين الأجانب عند قدومهم إلى فلسطين الذهاب لزيارة الصبانات والتعرف على طريقة صناعة الصابون.
الدخل المحلي..
تاريخ الصناعات الفلسطينية حمل في دفاتره الضمانات لحياة الإنسان العادي الذي يسعى منذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء باحثا عن لقمة عيشه، وعلى الرغم مما قد يعتقده البعض أن العمل في هذه الصناعات لا يجدي في ظل التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي إلا أن الواقع يثبت العكس، هذا ما أخبرنا به الحاج معاذ النابلسي صاحب صبانه "البدر".
ويضيف :صناعة الصابون منذ القدم كانت تعتبر القاعدة الأساس للاقتصاد الوطني، ومكان الائتمان للمزارع والتاجر والمواطن، فالمزارع الذي يبيع الزيت للصبانه كان يضمن أن يسوق زيته بالسعر الحقيقي، وبنفس الوقت التاجر يحصل على منتوج يعرف جودته فيبيعه بأفضل الطرق، والمواطن كان يجد مكان يوفر له الشغل اليومي الذي يقتات منه وأسرته.
وفي محاولة منه إلى التوضيح أكثر، يقول الحاج النابلسي: أغلب العائلات النابلسية كانت تشكل لها صناعة الصابون مشروع الاستثمار، فقد كانت تعتمد هذه الصناعة على التصدير للخارج فما مجمله 80 -90% من الإنتاج كان يصدر إلى الأردن ودول الخليج العربي والسعودية وإلى العديد من الدول الغربية مثل أمريكا وغيرها.
من جانبه يشير محمد سلهب الذي صاحب صبانه القمحاوي أن الإنتاج الشهري من الصابون يبلغ نحو 15 طناً شهريا يتم تصدير غالبيته للخارج، ويبلغ عدد العاملين في الصبانه كحد أدنى يومياً 15 عاملاً، فيما يزداد العدد في الأيام التي يكون فيها الإنتاج المطلوب أكثر.
وهذا ما يتفق مع ما قاله لطفي قاطوني الذي يعمل مشرفا في صبانه المصري، حيث يشير إلى أن العمل في صناعة الصابون يفتح المجال أمام الكثير من قطاعات الشعب التي لا تحمل شهادات علمية ولم تتمكن بسبب الظروف العمل بالوظائف الرسمية، فالعمل في صناعة الصابون يشكل "وظيفة وظنية" تمكنه من توفير مصدر دخل مستمر لأفراد أسرة من يعملون في هذه الصناعة.
ويتابع بالقول :في ظل الإغلاق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وفي ظل حرمانه من ممارسة عمله كما كان من قبل فقد أصبح العمل في هذه الصناعة هو الخيار الأفضل أمام المواطن حيث تساهم في استمرار حياته من خلال توفير أساسيات العيش الكريم.
بدوره يشير حمزة النتشة إلى أن صناعة الزجاج والخزف كانت تشكل مصدراً أساسيا للدخل الفلسطيني من خلال استقطاب السائحين الأجانب حيث كانت غالبية المنتجات تباع داخل المصنع لكثرة رواده اليوميين.
ويوضح أمجد النمر، مشرف قسم العلاقات العامة والدراسات في غرفة تجارة وصناعة نابلس، إلى أنه خلال العام 2007 بلغت مجمل صادرات الصابون النابلسي إلى الدول العربية 853 ألف دولار، إضافة إلى مبلغ ربما يوازيه أو أقل بقليل إلى الدول الغربية وأوروبا.
صعاب وتحديات..
ورغم ما تعنيه الصناعات الفلسطينية للمواطن الفلسطيني من تاريخ وحضارة، فإنه بات يخشى أن يتم ضياع هذه الحضارة نتيجة الصعاب والمعوقات التي تقف أمام ازدهار مثل هذه الصناعات، وهو ما دفع بالعديدين إلى التوقف المرحلي منتظرين أن تزول هذه الصعاب من أمامهم ليعاودوا نشاطهم الإنتاجي من جديد.
ويشير أمجد النمر إلى أنه لم يتبق الآن في مدينة نابلس إلا نحو 5 صبانات من اصل نحو 40 صبانه، وهذا السبب يعود بشكل مباشر إلى عدة عوامل وأسباب كما يراها القائمون على هذه الصبانات.
ويتمثل السبب الرئيس إلى طبيعة الإغلاق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على المدن الفلسطينية وبالتحديد على مدينة نابلس منذ ما يقارب 7 سنوات، وهو ما يشكل عائقا أمام دخول المواطنين من باقي المحافظات للمدينة وكذلك توزيع المنتوج على المحافظات الأخرى، كما أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف بشكل مباشر بعض الصبانات وقام بهدمها أثناء الاجتياحات للمدن الفلسطينية.
أما العامل الآخر فيتمثل في طبيعة غزو البضائع المستوردة للسوق المحلي بأسعار رخيصة جداً وهو ما جعل المواطن يلجأ إلى شرائها والبعد عن المنتج المحلي على الرغم من جودته العالية إذا ما قورن بالمنتج المستورد.
أما العامل الثالث فيتمثل كمال يقول محمد سلهب صاحب صبانة المصري في الرسوم والجمارك التي تفرض على المنتجات المحلية التي تصدر إلى الخارج، إضافة إلى عدم وجود اتحاد فلسطيني فعال يقف إلى جانب أصحاب هذه الصناعات.
ولا يختلف الحال في مدينة الخليل، فيشير حمزة النتشه إلى أن عائلة النتشه هي الوحيدة التي ما زالت تمتلك مصنعا لصناعة الزجاج والخزف في المقابل أقفل المصنعين الآخرين ابوابهما انتظارا بتحسن الأوضاع المحلية لما كان عليه من قبل.
ويوضح النتشه إلى أن عدم وجود خطه وطنية شاملة في دعم الصناعات الوطنية هو السبب الرئيس وراء ذلك، وهذا ما يجعل كل مصنع أن يسوق لنفسه وفقا لخبرته والطاقة المالية والبشرية المتوفرة لديه، وهو ما يجعل الأمر صعب للقائمين على هذه الصناعات.
طموح رغم الصعاب…
ورغم الصعاب والمعوقات التي تقف أمام الصناعات الفلسطينية إلا أن القائمين عليها يتطلعون إلى إعادة هذه الصناعات إلى مجدها لاسيما أنها تتمتع بمميزات عديدة منها الجودة والعلامة التجارية التي تميزها عن باقي المنتجات.
وهذا ما يوضحه الحاج معاذ النابلسي قائلاً: أنا الآن أقوم بعمليات اختبار وتجارب لبعض الآلات التي صنعتها شخصياً من أجل صناعة صابون يتناسب وطبيعة السوق الحالي وطلبات المستهلكين، فأنا عندي بالبيت غرفة أعددتها على أنها مختبرا لمثل هذه التجارب، وقد تمكنت من إيجاد آله تعمل على إخراج قطع الصابون بأشكال مختلفة تناسب أذواق المواطنين.
ويتابع بالقول: كما أنني بدأت بإنتاج الصابون النابلسي السائل ذو الكفاءة والجودة العالية لينافس الشامبو الذي يباع بالأسواق. إضافة إلى ذلك بدأت أجري بعض التجارب على إدخال الروائح والألوان الأخرى على الصابون النابلسي كما هو في باقي الصابون المروج بالأسواق.
كما يهتم الحاج النابلسي في التسويق الإلكتروني من خلال الموقع الإلكتروني الذي بدأ بإعداده من أجل اجتذاب المواطنين والسياح الأجانب، إضافة إلى فتح آفاق في السوق العالمية.
وهذا أيضا ما يقوم به مصنع النتشة للزجاج والخزف الذي بات يعتمد على العلاقات الخارجية في التجارة من خلال الترويج الإلكتروني لمنتجاته.
من جانبه يشير أمجد النمر إلى أن غرفة تجارة وصناعة نابلس تحاول أن تساعد من خلال فتح أفق تجاري أوسع لتصدير هذه المنتجات إلى الخارج.
لكن ورغم ذلك كله يبقى السؤال المطروح هو في كيف يمكن لنا أن نحافظ على هذه الصناعات الوطنية التي تجسد الحضارة الفلسطينية؟