تل رفح.. حضارات العالم القديم مرت من هنا
بشغف وبهدوء شديدين يواصل طاقم التنقيب التابع لوزارة السياحة والآثار في تل رفح، على الحدود المصرية جنوب قطاع غزة، عملهم اليومي علهم يجدوا ما يكشف مزيداً عن تاريخ المنطقة التي شهدت مراحل تاريخية هامة امتدت آلاف السنين.
المختص بالآثار أسعد عاشور يدير فريقاً مكوناً من نحو عشرين فنياً وعاملاً يواصلون بحثهم في باطن الأرض في التل البالغة مساحته 150 دونماً بحثاً عن أي جديد.
العمل يسير ببطء لكن عاشور والذي يعمل في التنقيب عن الآثار منذ أكثر من 30 عاماً، يرى أن ذلك ليس غريباً في مهنته، لأن الأمر يحتاج دقة وشغفاً ومهارة ورويّة حتى يكون عمله أكثر سلاسة.
ويقول إن العمل يبدأ يومياً في الساعة 6.30 صباحاً وحتى الساعة 12.30 ظهراً، ويتم حفر 20 سنتمتراً يومياً في موقعين مساحة الواحد منهما مترين مربعين تقريباً، لأن الموقع مجهول ولا يعرف ماذا يضم بسبب العبث الآدمي والتغيرات الطبيعية وعدم وجود تسجيل تاريخي واضح.
ويشير إلى أن العاملين في الحفريات المستمرة في التل الأثري منذ نحو شهر تلقوا تدريباً لعدة أيام، ومعظمهم لا يحمل خبرة كافية، إلا أنهم يحاولون التأقلم في ظل عدم وجود خبرات محترفة للتعامل معه بالطريقة المناسبة.
البداية.. جرة ذهب
ضربة واحدة من سكين جرافة كان كفيلة بالكشف عن كنز حقيقي، أدت إلى انبعاث "خلية نحل" في المكان، حفر هنا ونقل رمل وطين هناك، وضربات فأس في هذا الموقع وذاك.
فبتاريخ 31/12/2009 كانت جرافة تابعة لوزارة الأشغال في غزة تجرف كميات من الطين من الجهة الشمالية للمكان لاستخدامها في بعض أعمال الترميم والبناء بسبب انقطاع الإسمنت جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ نحو أربعة أعوام.
وبينما كانت كذلك إذ بها تضرب جرة كبيرة مليئة نقود ذهبية كثيرة العدد، الأمر الذي أدى إلى تقاطر الناس إلى المكان وشيوع حالة من الفوضى ما استلزم وجود الشرطة في المكان لحماية هذا الكشف،.
نقلت وزارة السياحة والآثار ما استطاعت نقله من نقود ذهبية وصل عددها إلى نحو 1300 قطعة تؤرخ أقدمها لعام 330 قبل الميلاد، وشرعت طواقمها بالعمل ميدانياً في المنطقة باعتبارها مكاناً أثرياً.
وبدأ الحفر أولاً في نفس المكان الذي وجدت به الجرة، ومن ثم انتقل الأمر إلى مكان لا يبعد سوى نحو عشرة أمتار شمالاً عنه، وبالفعل تم اكتشاف أوانٍ وجرارٍ وقطع ذهبية وفضية، وبعض الأدوات المنزلية.
ويحاول عاشور – الذي تخرج من قسم الآثار بجامعة القاهرة عام 1979 وشارك في عمليات تنقيب في مصر وقطر واليمن وأخيراً في غزة منذ عام 1987- مع طاقمه تقصي ما أمكن من أطراف التل المترامية والواصلة إلى الحدود المصرية.
شغف وتاريخ
عبق التاريخ يفوح في المكان، ويؤكد عاشور أن الأمر ما يزال في بدايته، ومع التقدم البطيء وكبر مساحة التل وضخامة طبقاته، فإن الأمر قد يأخذ سنوات وسنوات من البحث والحفريات.
وتظهر دلائل مما وجد مؤخراً أن التل كان شاهداً على عدة عصور، أقدمها عهد الفراعنة واليونان وزمن الإسكندر المقدوني والرومان والبيزنطيين وأخيراً العهد الإسلامي بمختلف مراحله.
وأسهمت المؤثرات الطبيعية والاصطناعية الآدمية في تشكيل مختلف للتل بين فترة وأخرى، حيث أنه شهد عدة انهيارات طينية تسببت بطمر مساحات منه مما كان قائماً عليه وتغيير تضاريسه.
كما أن المراحل التاريخية المختلفة بين حضارة وأخرى كانت تضيف أو تغير في المكان، ومن ذلك إزالة الاحتلال الإسرائيلي مساحات كبيرة من قمة الموقع وتحويله إلى موقع عسكري، ما أدى إلى مسح جزء من تاريخه الغني.
ويوضح المختص بالآثار أن التل شهد إهمالاً كبيراً خلال الفترة الماضية لعدم إدراك أهميته التاريخية، لكن الكشف الأخير أعاده إلى الواجهة.
طموحات ومعيقات
مع كل الآمال المعقودة على مواصلة العمل، إلا أن هناك معيقات تقف عقبة أمام استمراره على النحو المبتغى، فعدم توفر الإمكانيات والخبرات يعد من أهم المشاكل التي تواجه فريق التنقيب.
ومن ذلك "ناكونش" كان يحمله عاشور بيده وتم تصنيعه محلياً بمواصفات خاصة تتناسب مع التنقيب لعدم توافره في السوق، فيما تستخدم المعدات المتوفرة قدر الإمكان بما يسهل عمل طاقمه.
ويضيف أن الطاقم يواجه مخاطر أمنية بسبب موقع التل الحدودي، منوهاً إلى أن العمل كثيراً ما يتوقف جراء الغارات الإسرائيلية بين فينة وأخرى لاستهداف الأنفاق الموجودة في المناطق القريبة.
ومحلياً، فإنه رغم محاولة تأمين الموقع عبر التواجد الأمني إلى نأنأن هناك أشخاصاً يحاولون التنقيب بشكل غير قانوني في المكان بحثاً عن كنز ما، دون وعي بالأهمية والقيمة التاريخية.
ويشير عاشور إلى عدم وجود مواد وأجهزة ملائمة لتحليل وفحص التربة والمكونات حال الحصار دون توفرها، فيما توجد حاجة ملحة لالتقاط صور جوية دقيقة تظهر تفاصيل وطبقات الموقع الأثري.
رغم ذلك فإن الأمل يحذوه بأن يكشف عن المزيد، حيث تم في هذا اليوم الكشف عن جرة كاملة وقطع من البازلت وأخرى فخارية ورأس لتمثال مصنوع من الطين تشير التقديرات إلى أنه يعود لنحو ألفي عام.
يشعر الطاقم بسعادة بالغة لهذا الكشف، فيما يقلّب عاشور رأس التمثال وبعض القطع الأثرية، مؤكداً على أن مثل هذا الأمر يشكل دافعاً لفريقه ورغبة أكبر بالتحدي لمواصلة التنقيب
ـــــــــــــــــــــ
بشغف وبهدوء شديدين يواصل طاقم التنقيب التابع لوزارة السياحة والآثار في تل رفح، على الحدود المصرية جنوب قطاع غزة، عملهم اليومي علهم يجدوا ما يكشف مزيداً عن تاريخ المنطقة التي شهدت مراحل تاريخية هامة امتدت آلاف السنين.
المختص بالآثار أسعد عاشور يدير فريقاً مكوناً من نحو عشرين فنياً وعاملاً يواصلون بحثهم في باطن الأرض في التل البالغة مساحته 150 دونماً بحثاً عن أي جديد.
العمل يسير ببطء لكن عاشور والذي يعمل في التنقيب عن الآثار منذ أكثر من 30 عاماً، يرى أن ذلك ليس غريباً في مهنته، لأن الأمر يحتاج دقة وشغفاً ومهارة ورويّة حتى يكون عمله أكثر سلاسة.
ويقول إن العمل يبدأ يومياً في الساعة 6.30 صباحاً وحتى الساعة 12.30 ظهراً، ويتم حفر 20 سنتمتراً يومياً في موقعين مساحة الواحد منهما مترين مربعين تقريباً، لأن الموقع مجهول ولا يعرف ماذا يضم بسبب العبث الآدمي والتغيرات الطبيعية وعدم وجود تسجيل تاريخي واضح.
ويشير إلى أن العاملين في الحفريات المستمرة في التل الأثري منذ نحو شهر تلقوا تدريباً لعدة أيام، ومعظمهم لا يحمل خبرة كافية، إلا أنهم يحاولون التأقلم في ظل عدم وجود خبرات محترفة للتعامل معه بالطريقة المناسبة.
البداية.. جرة ذهب
ضربة واحدة من سكين جرافة كان كفيلة بالكشف عن كنز حقيقي، أدت إلى انبعاث "خلية نحل" في المكان، حفر هنا ونقل رمل وطين هناك، وضربات فأس في هذا الموقع وذاك.
فبتاريخ 31/12/2009 كانت جرافة تابعة لوزارة الأشغال في غزة تجرف كميات من الطين من الجهة الشمالية للمكان لاستخدامها في بعض أعمال الترميم والبناء بسبب انقطاع الإسمنت جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ نحو أربعة أعوام.
وبينما كانت كذلك إذ بها تضرب جرة كبيرة مليئة نقود ذهبية كثيرة العدد، الأمر الذي أدى إلى تقاطر الناس إلى المكان وشيوع حالة من الفوضى ما استلزم وجود الشرطة في المكان لحماية هذا الكشف،.
نقلت وزارة السياحة والآثار ما استطاعت نقله من نقود ذهبية وصل عددها إلى نحو 1300 قطعة تؤرخ أقدمها لعام 330 قبل الميلاد، وشرعت طواقمها بالعمل ميدانياً في المنطقة باعتبارها مكاناً أثرياً.
وبدأ الحفر أولاً في نفس المكان الذي وجدت به الجرة، ومن ثم انتقل الأمر إلى مكان لا يبعد سوى نحو عشرة أمتار شمالاً عنه، وبالفعل تم اكتشاف أوانٍ وجرارٍ وقطع ذهبية وفضية، وبعض الأدوات المنزلية.
ويحاول عاشور – الذي تخرج من قسم الآثار بجامعة القاهرة عام 1979 وشارك في عمليات تنقيب في مصر وقطر واليمن وأخيراً في غزة منذ عام 1987- مع طاقمه تقصي ما أمكن من أطراف التل المترامية والواصلة إلى الحدود المصرية.
شغف وتاريخ
عبق التاريخ يفوح في المكان، ويؤكد عاشور أن الأمر ما يزال في بدايته، ومع التقدم البطيء وكبر مساحة التل وضخامة طبقاته، فإن الأمر قد يأخذ سنوات وسنوات من البحث والحفريات.
وتظهر دلائل مما وجد مؤخراً أن التل كان شاهداً على عدة عصور، أقدمها عهد الفراعنة واليونان وزمن الإسكندر المقدوني والرومان والبيزنطيين وأخيراً العهد الإسلامي بمختلف مراحله.
وأسهمت المؤثرات الطبيعية والاصطناعية الآدمية في تشكيل مختلف للتل بين فترة وأخرى، حيث أنه شهد عدة انهيارات طينية تسببت بطمر مساحات منه مما كان قائماً عليه وتغيير تضاريسه.
كما أن المراحل التاريخية المختلفة بين حضارة وأخرى كانت تضيف أو تغير في المكان، ومن ذلك إزالة الاحتلال الإسرائيلي مساحات كبيرة من قمة الموقع وتحويله إلى موقع عسكري، ما أدى إلى مسح جزء من تاريخه الغني.
ويوضح المختص بالآثار أن التل شهد إهمالاً كبيراً خلال الفترة الماضية لعدم إدراك أهميته التاريخية، لكن الكشف الأخير أعاده إلى الواجهة.
طموحات ومعيقات
مع كل الآمال المعقودة على مواصلة العمل، إلا أن هناك معيقات تقف عقبة أمام استمراره على النحو المبتغى، فعدم توفر الإمكانيات والخبرات يعد من أهم المشاكل التي تواجه فريق التنقيب.
ومن ذلك "ناكونش" كان يحمله عاشور بيده وتم تصنيعه محلياً بمواصفات خاصة تتناسب مع التنقيب لعدم توافره في السوق، فيما تستخدم المعدات المتوفرة قدر الإمكان بما يسهل عمل طاقمه.
ويضيف أن الطاقم يواجه مخاطر أمنية بسبب موقع التل الحدودي، منوهاً إلى أن العمل كثيراً ما يتوقف جراء الغارات الإسرائيلية بين فينة وأخرى لاستهداف الأنفاق الموجودة في المناطق القريبة.
ومحلياً، فإنه رغم محاولة تأمين الموقع عبر التواجد الأمني إلى نأنأن هناك أشخاصاً يحاولون التنقيب بشكل غير قانوني في المكان بحثاً عن كنز ما، دون وعي بالأهمية والقيمة التاريخية.
ويشير عاشور إلى عدم وجود مواد وأجهزة ملائمة لتحليل وفحص التربة والمكونات حال الحصار دون توفرها، فيما توجد حاجة ملحة لالتقاط صور جوية دقيقة تظهر تفاصيل وطبقات الموقع الأثري.
رغم ذلك فإن الأمل يحذوه بأن يكشف عن المزيد، حيث تم في هذا اليوم الكشف عن جرة كاملة وقطع من البازلت وأخرى فخارية ورأس لتمثال مصنوع من الطين تشير التقديرات إلى أنه يعود لنحو ألفي عام.
يشعر الطاقم بسعادة بالغة لهذا الكشف، فيما يقلّب عاشور رأس التمثال وبعض القطع الأثرية، مؤكداً على أن مثل هذا الأمر يشكل دافعاً لفريقه ورغبة أكبر بالتحدي لمواصلة التنقيب
ـــــــــــــــــــــ