الشاعر عبد الكريم الكرمي
ولد عبد الكريم بن سعيد بن علي الكرمي في مدينة طولكرم بفلسطين عام 1909 م، وعاش في أسرة اشتهرت بالعلم والدين والأدب ، فقد نبغ عدد من أفرادها كعلماء وأدباء، فهو شقيق الأديبين أحمد شاكر الكرمي وحسن الكرمي ومحمود الكرمي وعبد الغني الكرمي. والده الشيخ سعيد الكرمي عالم مشهور، وأحد طلائع رجال النهضة العربية المعاصرة .. كان فقيهاً بالدين واللغة، وشاعراً وأديباً يجيد الخطابة وكان أحد ثمانية تأسّس منهم المجمع العلمي العربي بدمشق، ونائباً لرئيس المجلس .. وعمل من بعد سنة 1922م قاضياً للقضاة في حكومة شرق الأردن، ثم رئيساً لأول مجمع علمي في الأردن، وتوفي في طولكرم سنة 1935م.
وكان الشيخ سعيد شديد العطف على ابنه عبد الكريم، وكان يحرص على أن ينشأ على أفضل الصّفات وأكمل السّجايا وقد ترعرع عبد الكريم على هذا العطف ونشأ على تشجيع والده له، وتغذّى بلبان العلم والأدب.
تلقى عبد الكريم دراسته الابتدائية في مدرسة طولكرم الحكومية وفي عام 1918م انتقل إلى دمشق، وواصل دراسته. وفي دمشق كان يحضر مجلس والده، وفيه أهل علم وأدب، فكان يستفيد كثيراً من مجالس العلم، ويقرأ الكتب الأدبية النافعة وقد أتاحت له مجالس العلم هذه تكوين خبرة اجتماعية وإثراء ثقافته وتكامل شخصيته.
في منتصف عام 1922م غادر والده دمشق إلى عمّان حيث أصبح قاضياً للقضاة ورئيس مجلس المعارف، فانتقل معه، ودرس سنة واحدة في مدرسة السّلط الثانوية. غادر عبد الكريم إلى دمشق ليلتحق بمدرسة التجهيز الأولى ( مكتب عنبر ) وخلال دراسته في المكتب تعرّف إلى فتاة تدعى ( سلمى ) فأحبّها ونظم فيها قصيدة، وحين علم أساتذته بذلك كنّوه بأبي سلمى وبعد حصوله على شهادة البكالوريا السورية عام 1927م، قصد بيت المقدس، وعُيّن معلماً في المدرسة العمرية، ثم انتقل إلى المدرسة البكرية، ثم المدرسة الرشيدية وانتسب إلى معهد الحقوق في القدس حيث نال منه شهادة المحاماة.
في عام 1936م أقالته السّلطات البريطانية من التدريس، فقد نظم قصيدة نشرتها مجلة الرسالة القاهرية بعنوان ( يا فلسطين ) هاجم فيها السلطات البريطانية لعزمها إنشاء قصر للمندوب السامي البريطاني على جبل المكبّر الذي زاره الخليفة العادل عمر بن الخطاب، فاستدعاه مدير التعليم البريطاني (مستر فرل)، وأبلغه قراره بفصله من العمل. بعد أن فقد أبو سلمى وظيفته التعليمية بالقدس، ضمّه صديقه إبراهيم طوقان إلى دار الإذاعة الفلسطينية، واستمرّ يعمل في جهازها الإعلامي إلى أن استقال من عمله.
في عام 1943م قصد أبو سلمى مدينة حيفا وافتتح مكتباً زاول فيه مهنة المحاماة، وبدأ عمله بالدفاع عن المناضلين العرب المتهمين في قضايا الثورة الفلسطينية. وأصبح في فترة قصيرة محامياً مرموقاً في فلسطين، وظل يعمل في حقل المحاماة حتى عام 1948م، حيث اضطر إلى مغادرة حيفا نازحاً إلى دمشق وهناك زاول مهنة المحاماة والتدريس، ثم عمل بوزارة الإعلام السورية وأسهم في العديد من المؤتمرات العربية والآسيوية والإفريقية والعالمية. في عام 1980م وافته المنيّة، ودفن في دمشق.
كان عبد الكريم منذ صغره يحضر مجلس والده – وفيه أهل علم وأدب – ويستفيد كثيراً من هذا الحضور، الذي أتاح له تكوين خبرة اجتماعية وثقافية كبيرة فكان يلقى التشجيع من والده على حفظ الشعر الجيد وكثيراً ما كان يطلب منه أن يلقى على مسامع الحضور في المجلس آخر قصيدة حفظها ، ويقوم بتشجيعه على إبراز مواهبه التي بدأت في الظهور في سن مبكرة، ويكثر من توجيهه إلى حفظ الشعر الجيد ، ليقوى على نظم الشعر.
من الشخصيات التي أثّرت في ثقافة عبد الكريم الأدبية أخوه الناقد أحمد شاكر الكرمي فقد تلقى أبو سلمى الدّربة والصّقل الأدبي على يديه ولقي منه التشجيع، وتعرّف عن طريقه إلى العديد من الكتّاب والأدباء السّوريين والعرب.
كان أيضاً دور واضح في التأثير لمدرسة عنبر التي خرّجت عدداً من الشعراء والأدباء، ففي هذا المعهد لقي أبو سلمى من معلّميه الرعاية والتنشئة الأدبية الصالحة .. وبهذا نرى أن عبد الكريم قد تغذّى بلبان العلم والأدب منذ صغره .. واستطاع أن يكوّن نفسه تكويناً أدبياً وثقافياً جيداً .. وصار وثيق الصلة بالأدب وبالثقافة العربية القديمة والحديثة والمعاصرة . وقد امتدت ثقافته العامة إلى الأدب العالمي عن طريق اللغة الفرنسية التي يتقنها، والمؤتمرات الأدبية والثقافية والسياسية التي حضرها في كثير من أقطار العالم .. أضف إلى ذلك صلته الوثيقة بالأدباء والشعراء في الوطن وفي أقطار العالم الأخرى.
أبو سلمى .. شاعر وأديب من جيل الشعراء الرّواد الذين سجّلوا بأمانة وصدق أحداث وطنهم وأمتهم، وأسهموا بالكلمة الحرّة الجريئة في قضايا تلك الأحداث. شعره يتّسم بالوضوح، والمعنى النبيل، والنغمة الأخاذة، واللغة المتينة، ويتوافر فيه الخيال المبتكر. يحس القارئ لشعره بدفء الكلمة وقوّة التعبير وصدق الانتماء.
نظم شعره في مجالات كثيرة، وجوانب متعدّدة ففيه الشعر الوطني الذي نظمه لفردوسه المفقود بخاصة، ولوطنه العربي بشكل عام. وفيه الشعر الإنساني والاجتماعي، والرّثاء والأناشيد، والحب والغزل، وغير ذلك من فنون الشعر. وقد نظم قصائد رائعة، كل واحدة منها كأنها لوحة رسمتها يد فنّان عبقري. يقول أبو سلمى عن شعره:
شِـعْـريَ جِسْرٌ يلْتقي فوقَه أهـلي بما يَحْلو وما يَشْجُن
يَـعْبَقُ شِعْري بِشَذا موطني لـولاهُ لا يـزكو ولا يَحْسُن
يا وطني !.. لا تَأْسَ إنّا على عَهْدِكَ، مهما طالت الأزْمن
تَـغْـنى الزَّعاماتُ وأشباهها والخالدان : الشّعْبُ والمََوْطِن
لقد أراد أبو سلمى للشعر أن يكون فنّاً جماهيرياً شعبياً يصوّر كل إحساسات الشعب ومعاناته ، وما يجري حوله من أحداث .. فشعره يكاد يكون سجلاً للنكبة بكل أبعادها .. وهو يفرّق بين الشعر الملتزم بقضية شعبه والشعر المأجور ، ويضع حدّاً فاصلاً بين نوعين من الشعر فيقول : الشّعر كالناس في الكون حرف حرٌّ وحرف ذليل ، وإنّ الشعر الحق هو الشعر الملتزم بقضايا الجماهير وآلامها وآمالها.
كيف يمشي القلم المأجور في ساحة تجتاحها النار اجتياحا
في صرير القلم الحُرّ صدى ثورة الشعب هتافاً وصداحا
حاربوا الظلم مدى الدهر إلى أن يرفّ الكون طهراً وصلاحا
وإذا المستعمرون انتشروا يملأون الأرض جوراً واجتراحا
حرّروا الدّنيا من استعمارهم شرف الإنسان أن يقضي كفاحا
ثم يخاطب رواد الشعر في العالم العربي فيدعوهم إلى النهوض بمسؤولية الشعر في الذود عن حقوق الإنسان، وأن يهبطوا من أبراجهم العاجية ويتحملوا مسؤولياتهم بحماية شرف الحرف المضيء وراية الشعر المناضل.
ولد عبد الكريم بن سعيد بن علي الكرمي في مدينة طولكرم بفلسطين عام 1909 م، وعاش في أسرة اشتهرت بالعلم والدين والأدب ، فقد نبغ عدد من أفرادها كعلماء وأدباء، فهو شقيق الأديبين أحمد شاكر الكرمي وحسن الكرمي ومحمود الكرمي وعبد الغني الكرمي. والده الشيخ سعيد الكرمي عالم مشهور، وأحد طلائع رجال النهضة العربية المعاصرة .. كان فقيهاً بالدين واللغة، وشاعراً وأديباً يجيد الخطابة وكان أحد ثمانية تأسّس منهم المجمع العلمي العربي بدمشق، ونائباً لرئيس المجلس .. وعمل من بعد سنة 1922م قاضياً للقضاة في حكومة شرق الأردن، ثم رئيساً لأول مجمع علمي في الأردن، وتوفي في طولكرم سنة 1935م.
وكان الشيخ سعيد شديد العطف على ابنه عبد الكريم، وكان يحرص على أن ينشأ على أفضل الصّفات وأكمل السّجايا وقد ترعرع عبد الكريم على هذا العطف ونشأ على تشجيع والده له، وتغذّى بلبان العلم والأدب.
تلقى عبد الكريم دراسته الابتدائية في مدرسة طولكرم الحكومية وفي عام 1918م انتقل إلى دمشق، وواصل دراسته. وفي دمشق كان يحضر مجلس والده، وفيه أهل علم وأدب، فكان يستفيد كثيراً من مجالس العلم، ويقرأ الكتب الأدبية النافعة وقد أتاحت له مجالس العلم هذه تكوين خبرة اجتماعية وإثراء ثقافته وتكامل شخصيته.
في منتصف عام 1922م غادر والده دمشق إلى عمّان حيث أصبح قاضياً للقضاة ورئيس مجلس المعارف، فانتقل معه، ودرس سنة واحدة في مدرسة السّلط الثانوية. غادر عبد الكريم إلى دمشق ليلتحق بمدرسة التجهيز الأولى ( مكتب عنبر ) وخلال دراسته في المكتب تعرّف إلى فتاة تدعى ( سلمى ) فأحبّها ونظم فيها قصيدة، وحين علم أساتذته بذلك كنّوه بأبي سلمى وبعد حصوله على شهادة البكالوريا السورية عام 1927م، قصد بيت المقدس، وعُيّن معلماً في المدرسة العمرية، ثم انتقل إلى المدرسة البكرية، ثم المدرسة الرشيدية وانتسب إلى معهد الحقوق في القدس حيث نال منه شهادة المحاماة.
في عام 1936م أقالته السّلطات البريطانية من التدريس، فقد نظم قصيدة نشرتها مجلة الرسالة القاهرية بعنوان ( يا فلسطين ) هاجم فيها السلطات البريطانية لعزمها إنشاء قصر للمندوب السامي البريطاني على جبل المكبّر الذي زاره الخليفة العادل عمر بن الخطاب، فاستدعاه مدير التعليم البريطاني (مستر فرل)، وأبلغه قراره بفصله من العمل. بعد أن فقد أبو سلمى وظيفته التعليمية بالقدس، ضمّه صديقه إبراهيم طوقان إلى دار الإذاعة الفلسطينية، واستمرّ يعمل في جهازها الإعلامي إلى أن استقال من عمله.
في عام 1943م قصد أبو سلمى مدينة حيفا وافتتح مكتباً زاول فيه مهنة المحاماة، وبدأ عمله بالدفاع عن المناضلين العرب المتهمين في قضايا الثورة الفلسطينية. وأصبح في فترة قصيرة محامياً مرموقاً في فلسطين، وظل يعمل في حقل المحاماة حتى عام 1948م، حيث اضطر إلى مغادرة حيفا نازحاً إلى دمشق وهناك زاول مهنة المحاماة والتدريس، ثم عمل بوزارة الإعلام السورية وأسهم في العديد من المؤتمرات العربية والآسيوية والإفريقية والعالمية. في عام 1980م وافته المنيّة، ودفن في دمشق.
كان عبد الكريم منذ صغره يحضر مجلس والده – وفيه أهل علم وأدب – ويستفيد كثيراً من هذا الحضور، الذي أتاح له تكوين خبرة اجتماعية وثقافية كبيرة فكان يلقى التشجيع من والده على حفظ الشعر الجيد وكثيراً ما كان يطلب منه أن يلقى على مسامع الحضور في المجلس آخر قصيدة حفظها ، ويقوم بتشجيعه على إبراز مواهبه التي بدأت في الظهور في سن مبكرة، ويكثر من توجيهه إلى حفظ الشعر الجيد ، ليقوى على نظم الشعر.
من الشخصيات التي أثّرت في ثقافة عبد الكريم الأدبية أخوه الناقد أحمد شاكر الكرمي فقد تلقى أبو سلمى الدّربة والصّقل الأدبي على يديه ولقي منه التشجيع، وتعرّف عن طريقه إلى العديد من الكتّاب والأدباء السّوريين والعرب.
كان أيضاً دور واضح في التأثير لمدرسة عنبر التي خرّجت عدداً من الشعراء والأدباء، ففي هذا المعهد لقي أبو سلمى من معلّميه الرعاية والتنشئة الأدبية الصالحة .. وبهذا نرى أن عبد الكريم قد تغذّى بلبان العلم والأدب منذ صغره .. واستطاع أن يكوّن نفسه تكويناً أدبياً وثقافياً جيداً .. وصار وثيق الصلة بالأدب وبالثقافة العربية القديمة والحديثة والمعاصرة . وقد امتدت ثقافته العامة إلى الأدب العالمي عن طريق اللغة الفرنسية التي يتقنها، والمؤتمرات الأدبية والثقافية والسياسية التي حضرها في كثير من أقطار العالم .. أضف إلى ذلك صلته الوثيقة بالأدباء والشعراء في الوطن وفي أقطار العالم الأخرى.
أبو سلمى .. شاعر وأديب من جيل الشعراء الرّواد الذين سجّلوا بأمانة وصدق أحداث وطنهم وأمتهم، وأسهموا بالكلمة الحرّة الجريئة في قضايا تلك الأحداث. شعره يتّسم بالوضوح، والمعنى النبيل، والنغمة الأخاذة، واللغة المتينة، ويتوافر فيه الخيال المبتكر. يحس القارئ لشعره بدفء الكلمة وقوّة التعبير وصدق الانتماء.
نظم شعره في مجالات كثيرة، وجوانب متعدّدة ففيه الشعر الوطني الذي نظمه لفردوسه المفقود بخاصة، ولوطنه العربي بشكل عام. وفيه الشعر الإنساني والاجتماعي، والرّثاء والأناشيد، والحب والغزل، وغير ذلك من فنون الشعر. وقد نظم قصائد رائعة، كل واحدة منها كأنها لوحة رسمتها يد فنّان عبقري. يقول أبو سلمى عن شعره:
شِـعْـريَ جِسْرٌ يلْتقي فوقَه أهـلي بما يَحْلو وما يَشْجُن
يَـعْبَقُ شِعْري بِشَذا موطني لـولاهُ لا يـزكو ولا يَحْسُن
يا وطني !.. لا تَأْسَ إنّا على عَهْدِكَ، مهما طالت الأزْمن
تَـغْـنى الزَّعاماتُ وأشباهها والخالدان : الشّعْبُ والمََوْطِن
لقد أراد أبو سلمى للشعر أن يكون فنّاً جماهيرياً شعبياً يصوّر كل إحساسات الشعب ومعاناته ، وما يجري حوله من أحداث .. فشعره يكاد يكون سجلاً للنكبة بكل أبعادها .. وهو يفرّق بين الشعر الملتزم بقضية شعبه والشعر المأجور ، ويضع حدّاً فاصلاً بين نوعين من الشعر فيقول : الشّعر كالناس في الكون حرف حرٌّ وحرف ذليل ، وإنّ الشعر الحق هو الشعر الملتزم بقضايا الجماهير وآلامها وآمالها.
كيف يمشي القلم المأجور في ساحة تجتاحها النار اجتياحا
في صرير القلم الحُرّ صدى ثورة الشعب هتافاً وصداحا
حاربوا الظلم مدى الدهر إلى أن يرفّ الكون طهراً وصلاحا
وإذا المستعمرون انتشروا يملأون الأرض جوراً واجتراحا
حرّروا الدّنيا من استعمارهم شرف الإنسان أن يقضي كفاحا
ثم يخاطب رواد الشعر في العالم العربي فيدعوهم إلى النهوض بمسؤولية الشعر في الذود عن حقوق الإنسان، وأن يهبطوا من أبراجهم العاجية ويتحملوا مسؤولياتهم بحماية شرف الحرف المضيء وراية الشعر المناضل.