في ليلةِ العيد تتعانقُ الكواكبُ في السماء،
وتذرفُ الدموعَ السّجام على رحيلِ زينةِ الشهور،
ودرّة الأزمان، وتسلّمُ جداولُ النور المتدفّقة على أهدابِ السّحر
الخجولة المكحّلة بالطّهر، والمزدانةِ بالرّحمة، ويعانقُ الفجرُ سنا الشّمسِ السّاطعة
التي تُبادرُ السحبَ بالتحيّة والمباركات، فتردّ السّحبُ التحيّةَ،
وتغادرُ الأفق ليتمتّعَ الفائزون بصفاء السماء...
ما أروعَ تلك الليلةَ حيث تبدو الأرضُ باقةَ زهر شذيّة،
ويبدو الأفقُ باسماً وضيئاً من صدى دعاء المخلصين،
وصِدق مناجاة قائمي الليل.
في ليلة العيد، ترقُّ القلوبُ لتنسجَ من نبضاتها أناشيدَ المحبّة،
ومن شرايينها المتدفّقة حبالَ الودّ، ومن شُغُفِها الطريّة ثيابَ الصّفاء...
في ليلة العيد تمتلئُ وسائدُ الأطفال بالأحلام المزركشة،
وتُصبح أسرّتهم مروجاً من الزّهور والأعشاب الطريّة...
فالعيدُ جنّةُ الأطفال، وما العيد بنظرهم إلا أكواماً من السكاكر الملوّنة،
وجيوباً ممتلئةً بالنقود... وسُحباً تنثُرُ الثّلج الأبيض على شعورهم وملابسهم.
وماذا عن صباحِ العيد، حيث يخشعُ المدى والآفاق، وتهتزُّ الجبال الراسيات،
وتطربُ الأرضُ والسماءُ لجلال وبهاء نداءات التكبير التي تنبعثُ
من المآذن العامرة مضمّخةً بذكر الخالق...
صباحُ العيد شلاّل من الفرح يتدفّق في قلوب المسلمين
الذين فازوا بالجائزة الغالية، فتصبحُ مشاعرهم الرّهيفة أكثر بياضاً من الثّلج
، وتصبح أحاسيسهم الشّفيفة أغصاناً مثمرة
تملأُ النفس عطراً وجمالاً وروعة...
تتزيّنُ اللغةُ بسحر البيان، وتكتسي بحلّةَ البهاء، وتغتسلُ بقوافي الشعر وبحوره،
ليفترَّ ثغرها عن مباركات لطيفة وأمانيّ واعدة من الآباء للأبناء،
ومن المتعلّمين للمعلّمين ومن الأصدقاء للأصدقاء، ومن المسلمين للغرباء...
صبيحةَ العيد تجوبُ العصافيرُ الفضاءَ، ويُنشدُ الكروان، وتهدلُ أسرابُ الحمائم،
وتغرّد البلابل بأمان، فتصفّقُ الأمواجُ، وتقتربُ الأسماك من الشاطئ
لتلقي التحيّة على الأطفال الأبرياء، وتُصغي إلى أغاريد طيور النّورس المحبّبة...
العيدُ ساعةُ صُلح وتراحم بين القلوب والقلوب، بين العتاب والودّ،
بين الزنابق والبنادق، وبين السكاكين والرياحين...
وبين الحدود والورود...
العيدُ مبادىءٌ تُصافحُ قيماً، وتسامحٌ يسكنُ أفئدةً، ولقاءٌ يمحو جفاءً..
.العيد أرواحٌ تطيرُ كأسراب الحمائم البيض،
ونفوسٌ تُشرقُ بنقاءٍ أروعَ من يقظة الفجر.
ماذا يبقى من روعة العيد عندما تنحسرُ معانيه
في توفير صنوف الحَلْوَيات الفاخرة،
والألبسة ذات الماركات الفخمة..!!!!!
ماذا يبقى من مقاصد العيد السّامية عندما نزيّنُ سماء المدن بالألعاب النّاريّة،
ولا نزيّن القلوب بالتسامح والمحبة والصّفح؟؟؟
أيّهما أنبل؟ أن نتسابقَ على أبواب الملاهي السّاحرة، والمطاعم الفاخرة،
أم أن نتسابق على أبواب الأمهات والآباء فنقبّل الأيادي والرؤوس،
ونسكبُ في آذانهم أحلى وأرقّ التعابير، ونُودِعَ في أيديهم أغلى وأحلى الهدايا.
.. وليس كثيراً.. لأنّ من يضحّي بعمره وشبابه حتى يربّي،
أعظم ممّن يضحّي بوقته وبعض النقود ثمنَ هديّة ليؤدي واجباً
قد يبدو ثقيلاً بعض الأحيان؟؟؟
وماذا عن يوم العيد أيضاً؟
عندما ترفُّ أجنحةُ الفرح محلقةً في فضاءات النفوس،
فإنّ مشاعرَ الحزن تتملّكها الغيرةُ، فتململُ من مكامنها وتحرّكُ مواجعَ القلوب الجريحة
، فتسيلُ الدموعُ على الخدود حُزناً على زوجٍ فارقَ الحياة،
وخلّف وراءه قلوباً غضّة بحاجة إلى الرعاية،
وضفائرَ حالمة تحتاجُ من يشمّ عطرها..وحزناً على زوجة رحلت،
ورحلَ معها الحنان والدفء.. وحزناً على فِلذةِ كبدٍ تركَ حقيبته الحالمة،
وفارق أقرانه الذين يكبرون، وتكبر ذكراه معهم...
وماذا عن الأسرِ التي تقضي يوم العيد في المستشفيات مع أبنائها الذين
يعانون الأمراض المزمنة... لقد حبَسهم المرضُ في مساحة ضيقة
فوق سريرٍ أبيض، وحرمهم اللعبَ في الزحاليق والأراجيح مع أقرانهم؟؟؟
وماذا عن أولئك الذين ليس لديهم ثياباً جديدة يفرحون بها،
ولا ألعاب يتمتّعون بها؟؟
علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كيف نعيشُ العيد سعادةً وفرحاً،
ونحكيه مواساة للحزانى، وتعاطفاً مع المنكوبين والمجروحين والغرباء...
علّمنا كيف نمسحُ على رؤوس الأيتام،
ونبعث شفاههم الحزينة على الابتسام...
علّمنا كيف نزرعُ الفرح في قلوب الآباء والأمهات وسائر الأرحام،
والجيران...
علّمنا كيف نتفقّد الفقراء والمساكين...
علّمنا كيف نجعلُ من يوم العيد ذكرى صفاء وإصلاح ولقاء...
فيا ساعات العيد الباسمة، انُثُري دقائقك
وثوانيك مطراً على روابينا المشتاقة للقَطْر...
ويا شمسه السّاطعة، انسُجي من خيوطك السنيّة ثياباً زاهية
، وأرسليها للأطفال الذين يَلبسون الخوف في الليل،
والدموع في النهار...
ويا نجوم العيد.. أرسلي لنا بسمةً تلوّن شفاهنا لتتوحّد مشاعرنا...