السلاام عليكم ورحمة الله وبركاته
*************************
حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب في كثير من الأحاديث الشريفة؛ فيروي الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "دلّني على عمل يدخلني الجنة، قال رسول الله: لا تغضب ولك الجنة". ويروي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي: "أوصني، قال لا تغضب فردد مرارًا، قال: لا تغضب".
وذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها حال النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله"؛ فالغضب وإن كانت حقيقته جمرة تشعل النيران في القلب فتدفع صاحبها إلى قول ما يندم عليه، أو فعل ما لا تُحمد عقباه، أو كان دافعه الانتصار للنفس أو العصبية والحميّة للآخرين، فهو عند النبي صلى الله عليه وسلم قولٌ بالحق، وغيرةٌ على محارم الله، لا اعتداء فيه ولا غلوّ، ودافعه دومًا إنكار لمنكر أو عتابٌ على ترك الأفضل.
وهناك مواقف عديدة غضب فيها الرسول، وذكر غضب النبي في أسباب مختلفة مرجعه إلى أن ذلك كله كان لله تعالى وليس لنفسه, وأظهر الغضب في هذه المواقف ليكون أوكد في الزجر عنها والبُعد عن فعلها، فهو معلّم البشرية وهاديها إلى الصراط المستقيم.
ورصدنا لكم هنا بعض المواقف التي غضب فيها الرسول...
لم أكن لأقعد مع الشيطان
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن رجلاً شتم أبا بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسّم، فلما أكثر، ردّ عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقام، فلحقه أبو بكر رضي الله عنه، فقال يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت، قال: إنه كان معكَ مَلَكٌ يَرُد عنك فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان".
أقتلته وقد قال "لا إله إلا الله"؟
عن أسامة بن زيد قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فَهزمنا القوم ولحقتُ أنا ورجل مِن الأنصار برجل منهم، فلما لحقنا به قال: لا إله إلا الله، فَكَفَّ عنه الأنصاريّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمحِي حتى قَتَلْتُهُ، وكنت أظنّ أنه إنما قالها خوفًا من القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب غضبًا شديدًا، فقال لي رسول الله: أَقَتَلْتَهُ بعد ما قال لا إله إلا الله؟!! قال: قُلْتُ يا رسول الله إنما قالها خوفًا من القتل، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفًا من القتل أم لا؟ قال: فما زال يُكرِّرُ رسول الله سؤاله لي: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قال لا إله إلا اللهُ، حتى تمنّيت أنّي لم أَكُنْ أَسلَمتُ قَبلَ ذلك اليومِ".
أتشفع في حد من حدود الله؟!!
عن عائشة رضي اللّه عنها أن قريشًا أهمّهم شأنُ مرأة مَخْزُوميّة (هي امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع فتجحده، أي تأتي للناس تقول: أعرني قدرًا، أعرني إناءً، أعرني كذا، فإذا أعاروها جحدت وقالت: لم آخذ منكم شيئًا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها؛ لأن هذا نوع من السرقة) سَرَقَتْ، فقالوا: "مَن يُكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟". فقالوا: "مَن يَجْتَرِئُ عليه إلا أسامة ابن زيد حِبُّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فكلّمه أسامة، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أتَشْفَعُ في حَدٍّ من حُدُود اللّه تعالى؟"، ثم قام، فخطبَ، ثم قال: "إِنَّما أَهْلَكَ الذين مِنْ قَبْلِكم أَنّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهم الشّريفُ تَرَكُوه، وإِذا سَرَقَ فيهم الضّعِيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللّه -أي أقسم بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها".
أشد الناس عذاباً يوم القيامة
عن أنس بن مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أضع سترًا رقيقًا عليه ألوان ونقوش وصور تماثيل، فتلوّن وجه رسول الله وغضب وأهوى إلى الستر فهتكه بيده، ثم قال: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُشبّهون بخلق الله".
حلية أهل النار
عن عمرو بن العاص أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فلما رأى الرجل كراهيته ذهب فألقى الخاتم، وأخذ خاتمًا من حديد فلبسه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هذا شر، هذا حلية أهل النار، فرجع فطرحه ولبس خاتمًا من فضة فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
لا تفضلوا بين أنبياء الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وقع خلافٌ بين صحابي وأحد تجّار اليهود، فقال اليهودي لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، فذهب اليهودي إلى رسول الله وذكر له الخبر، فغضب النبي حتى رئي في وجهه، ثم قال: لا تفضّلوا بين أنبياء الله".
إذا لم يكن العدل عندي فعند مَن يكون؟!!
ذكر البخاري أن رجلاً جاء من بني تميم يقال له "ذو الخويصرة" وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعطي الناس يوم حنين وفي ثوب بلال فِضّة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس، فقال له: يا محمد، قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله أجل فكيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلت فيها، وما أريد فيها وجه الله تعالى قال: فغضب النبي، وقال: ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند مَن يكون؟!! رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ألا أقتله؟ فقال: لا، دعه فإنه سيكون له شيعة (أي أتباع) يتعمّقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية.
إني لأتأخر عن صلاة الصبح
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنهُ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا! فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ؛ فقال: يا أيها الناس إنّ منكم منفّرين (يعني ينفرون الناس عن دين الله، وهذا الرجل لم يقل للناس لا تصلوا صلاة الفجر، لكنه نفرهم بفعله)، فأيّكم أمّ الناس فليتجوّز؛ فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة.
*****************