تركها صغيرة ...كبرت وترعرعت بعيداً عن عينيه لم يستطع أن يحيطها بعينايته. لم يستطع أن يمنحها لمسة حنان أو قبلة حب أو حتى نظرة من بعيد، لم يحظى منها بقبلة على يديه أو وجنتيه، لم يسمع منها كلمة "بابا" إلا مرات قليلة، أقل من عدد الأصابع.
كانت كلما زارته زاد وجهه حزناً عليها وخوفاً على مستقبلها، فهي تكبر وتكبر ولا يستطيع أن يحرك ساكنا ..
لكن اليوم وبعد 14 عاماً يعود لها، ليعوض تلك السنين التي قضاها خلف القضبان حيث حرمه الاحتلال من إبنته الوحيدة "أريج".
الأسير إبراهيم خليل أحمد ديرية "أبو أريج" من قرية بيت فجار قضاء بيت لحم، أمضى في السجن 14 عاما، ليتنسم هواء الحرية بتاريخ 21/9/2010 ليعود لمنزله وزوجته التي تركها عروساً، وابنته أريج التي ولدت بعد اعتقاله.
مركز أحرار لدراسات الأسرى كان له السبق في إجراء لقاء مع ديرية قبل الإفراج عنه بيوم واحد:
وبدأ ديرية حديثه قاصا حكاية الاعتقال: " قبل أربعة عشر عاماً كنت عائداً إلى المنزل الساعة الثانية عشر ليلاً تقريباً، وكنت أسكن قرب مدرسة القرية، وعندما أردت أن أخلد للنوم قالت لي زوجتي أن هناك حركة غير طبيعية حول المنزل، وأن هذه حركة للجيش الإسرائيلي ".
وتابعت " وكان الجيش اعتقل شباب من المنطقة، ثم عاد لمنزلي وتسلق الجدار واعتلى سطح المنزل، وفجأة بدأ الطرق على باب المنزل بطريقة همجية وأصبحوا ينادون جيش ...جيش ..افتحوا الباب ، ثم أخذوني من البيت وانهالوا علي بالضرب ".
وبعدها نقلت لمركز تحقيق حيث بدأت رحلة العذاب المرير، فقد اعتقلت قبل هذا الاعتقال لمدة 22 شهراً، واستخدموا معي خلال التحقيق في الاعتقاليين أساليب بشعة من أقذر وأقبح ما يكون، فهي تكشف عن وجه المحتل الحقيقي، حيث بدءوا معي بحرب نفسية بشعة.
بدأ بالضغط عليَ من هذا الجانب بالإضافة للشبح لأيام طويلة وضغط الكلبشات على الأيدي والسهر مع المحققين إلى الصباح، وبقيت على هذه الحال لأيام طويلة، ثم بعد السهر الشبح على الماسورة.
واستمر هذا الأمر أربع شهور في المرة الأولى وخمسة في الثانية وهكذا حتى نهاية فترة التحقيق.
وبعد فترة التحقيق، انتقلت لأقسام الأسرى، حيث بدأت حياة الاعتقال.
ويضيف ديرية لأحرار، "استفدت من خلال تواجدي بين الأسرى فائدة كبيرة من القراءة والمطالعة والرياضة التي كنت أمارسها خلال فترة اعتقالي، كما تعلمت الصبر فالأمر ليس سهلاً على الإنسان، فأنت بين يدي محتل والأمر أكبر من التحمل أحياناً".
وعندما طلبنا من الاسير المحرر ابراهيم ديرية أن يتذكر موقفاً لا يزال محفوراً في ذاكرته، قال بكل مرارة: "في إحدى المرات سألت إبنتي ...لماذا أنا في السجن يا أبي ؟ ...فقالت لها والدتها قولي لأبيك ماذا حصل معك في المدرسة فارتبكت ابنتي لحظة ...فقالت أن المدرسة في الصف سألتها أين أبيك؟ فخجلت أن أجيب ..لكن المدرسة قالت لابنتي قولي إن والدك في السجن وهو يدافع عن الوطن، وقالت للطالبات بالتصفيق لها وكان موقفاً مؤثراً بالنسبة لابنتي، كل ذلك حصل أثناء زيارتهم لي.
وعندما طلبنا منه أن يوجه نصيحة لإخوانه، قال بكل سعادة: "نصيحتي التي أوجهها لإخواني في الأسر، أن يجعلوا رفيقهم وصديقهم الذي لا يفارقهم هو الكتاب، فالسجن أيام تمر فلا تجعلها آخر مطاف عندك وتقف عند هذا، بل يجب عليك أن تزداد معرفة وتطور من نفسك حتى تعود لشعبك ووطنك وأنت أصلب عوداً وأكثر قوة، وأنا أستغل هذه المناسبة لأشكر كل الاخوة الذين ساعدوني ووقفوا بجانبي، كما أشكر والداي وأهلي الذين ساعدوني ووقفوا بجانبي، كما أشكر زوجتي التي كانت خير سند لي".
يذكر أن الأسير إبراهيم ديرية من مواليد 3/4/1968 وهو مهندس الكترونيات ومعتقل منذ 9/3/1997، ويطمح بعد هذه السنين التي أمضاها في الاعتقال أن يجد الحضن الدافئ بين أهله وإخوانه من أبناء شعبه بعيداً عن ظلم المحتل وقهره.
بدور طالب فؤاد الخفش مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان بتوفير احتياجات الأسرى المحررين وتأمين الحياة الكريمة لهم ولعائلاتهم معتبرا ذلك اقل الواجب امام ما قدموه للوطن .